20 نوفمبر، 2024
جولة ترمب الآسيوية وإعادة رسم الإستراتيجية الأميركية
الرئيسية » جولة ترمب الآسيوية وإعادة رسم الإستراتيجية الأميركية

جولة ترمب الآسيوية وإعادة رسم الإستراتيجية الأميركية

دفن ميراث وأوباما
ملفات آسيوية معقدة
تغيير أم مراوحة
 

تُعدّ جولة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في آسيا أطول جولة يقوم بها رئيس أميركي منذ عهد جورج بوش الأب، إذ تستمر 11 يوماً وسيزور فيها خمس دول آسيوية تشمل كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية والصين وفيتنام والفلبين.

ويُجمل مستشارو ترمب أهداف جولته الآسيوية في ثلاثة أهداف، هي: التصدي للتهديد النووي الكوري الشمالي، والوقوف أمام التغوّل البحري الصيني، وإعادة التفاوض مع الشركاء الآسيويين على الاتفاقيات التجارية.

دفن ميراث وأوباما
كان من أول ما قام به ترمب عندما تولى منصبه رئيسا للولايات المتحدة، أن ألغى اتفاقية التجارة العابرة للمحيط الهادي (TTP) التي أقِرت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وكانت تقدم تسهيلات تجارية لدول شرق آسيا بهدف تحصين المنطقة ضد النفوذ الصيني المتوسع باطراد.

وهذا الإلغاء جعل أكثر الدول الآسيوية تشعر بالقلق وعدم الأمان، إذ إنّ السياسة الانكفائية التي أعلنها ترمب في بداية ولايته، وتأكيده بشكل مباشر أنّ على الآخرين ألا يكونوا عالة على بلاده في مجال الأمن، وأنّ القوة الأميركية العسكرية ستكون في خدمة من يدفع؛ يوشك أن يقلب المعادلة التي تأسست عقب الحرب العالمية الثانيةرأساً على عقب.


يمكننا القول إنّ الهند هي الغائب الحاضر في جولة ترمب الآسيوية، فقد قامت الإستراتيجية الأميركية -خلال العقدين الماضيين- على اعتبار الصين التهديد الإستراتيجي الأول لواشنطن، والعمل على تعويق صعودها الاقتصادي والإستراتيجي عبر عزلها واستنزافها في صراعات مع جيرانها. ومن أهم الدول التي تعوّل عليها أميركا في هذا المجال الهند

إنّ التخلي عن اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادي، وخطة أوباما للتعامل مع التهديد الصيني المسماة “محور آسيا”، يستدعى صياغة إستراتيجية جديدة بديلة في آسيا، وهذا ما تعِد به الجولة التي يتوقع أن يقدم خلالها ترمب رؤيته الخاصة للدور الأميركي في القارة، ويرسم خطوط المستقبل بهذا الخصوص.

ومعلوم أنّ ما وصل للإعلام بخصوص الخطة هو أنّها ستركز على حرية التجارة بين الهند وجنوب آسيا عبر المحيط الهادي، وهو ما يطرح سؤالاً مهماً حول دور الهند في هذه الجولة وإن كانت ليست ضمن الدول التي تستهدفها.

يمكننا القول إنّ الهند هي الغائب الحاضر في جولة ترمب الآسيوية، فقد قامت الإستراتيجية الأميركية -خلال العقدين الماضيين- على اعتبار الصين التهديد الإستراتيجي الأول لواشنطن، والعمل على تعويق صعودها الاقتصادي والإستراتيجي عبر عزلها واستنزافها في صراعات مع جيرانها.

ومن أهم الدول التي تعوّل عليها أميركا في هذا المجال الهند، فمنذ ولاية جورج بوش الابن تم تقليص التعاون الأميركي مع باكستان لصالح مزيد من تحسين العلاقة مع الهند، وأخذت نيودلهي تحسن علاقاتها مع المعسكر الغربي وإسرائيل بشكل مطرد، وخصوصاً مع تولي نارندرا مودي سدة حكم البلاد.

بعد زيارته لهاواي؛ سيحل ترمب في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري ضيفاً على رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، ومن المتوقع أن يناقش معه الالتزام بأمن اليابان، وتهديد كوريا الشمالية التي ما تفتأ تطلق الصواريخ الباليستية عبر أجواء اليابان بصورة استفزازية ومهينة، ومساندة اليابان في صراعها مع الصين بشأن بحر الصين الشرقي، وخصوصاً موضوع نزاعهما على جزر سنكاكو.

كما سيحظى موضوع إعادة التفاوض مع اليابان في الملف التجاري عقب انسحاب أميركا من اتفاقية التجارة عبر الهادي، ومحاولة تعديل الميزان التجاري المائل بشدة في الاتجاه الياباني، بمقدار 68.9 مليار دولار أميركي.

ملفات آسيوية معقدة
أمّا كوريا الجنوبية التي سيزورها ترمب لمدة يومين اعتباراً من 7 نوفمبر/تشرين الثاني؛ فيبدو أنّ مهمته فيها لن تكون بنفس السهولة، إذ إن الرئيس الحالي لكوريا مون جي إن -وهو ذو ميول يسارية- لا يريد حرباً ولا تصعيداً مع كوريا الشمالية.

بل إنه حاول من قبل التحادث مع الجار الشمالي دون عبور البوابة الأميركية ابتغاء تجنّب حرب محتملة، ستكون أول ضحاياها العاصمة سول، التي لا تبعد كثيراً عن المنطقة المنزوعة السلاح في الشمال.


لعل أهم حدث يُنتظر أن يقوم به الرئيس الأميركي في رحلته الطويلة، هو إلقاؤه كلمة يوم الجمعة (10 نوفمبر/تشرين الثاني) في مؤتمر القمة الاقتصادية الإقليمية لمنظمة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا باسيفيك (APEC)، المنعقد في مدينة دانينغ الفيتنامية. ويُتوقع أن يعلن ترمب في هذه القمة الإستراتيجيةَ الأميركية بقارة آسيا

ورغم أنّه قد وافق من قبل على اتفاقية منظومة الصواريخ الأميركية “ثاد“، مغضِباً بذلك الجار الصيني الذي رأى فيها تهديداً مباشراً لأمنه القومي وقاعدته الانتخابية معاً؛ فإنه رفض أن تبادر الولايات المتحدة للتصعيد العسكري مع الشمال.

ومع ذلك وفي ظل رغبة الرئيس الأميركي بتحقيق انتصارات صغيرة؛ فإننا قد نرى صفقات بيع سلاح توقَّع بين البلدين، كما أن موضوع العلاقات التجارية قد يشهد تطورات جديدة، وخصوصاً في مجال التفاوض بشأن الاتفاقية التجارية بين البلدين المسماة بـ”KORUS”.

بعد كوريا الجنوبية؛ سيحل الرئيس ترمب يوم الخميس القادم ضيفاً على الصين لمدة يومين، ويُتوقع أن يستغل خلالها علاقته الطيبة مع الرئيس شي جين بينغ، بحيث يحقق بعض المكاسب التجارية.

أما موضوع كوريا الشمالية؛ فلا يبدو أن ترمب سيحقق اختراقاً كبيراً فيه، رغم أنّه سيطلب من الصين وقف تدفق الطاقة إلى كوريا الشمالية، ووقف التعاون التجاري والتعاملات البنكية معها، ومنع تهريب البضائع عبر الحدود بين البلدين، وألا تسمح للعمال الكوريين الشماليين بالعمل بالصين، وهو ما يعني قطع شريان الحياة الرئيسي عن “الجار المزعج”.

صحيح أنّ بكين تعاونت مع أميركا سابقا في الضغط على كوريا الشمالية مرتين في مجلس الأمن، ولكن لديها ميزان حساس بهذا الشأن يجب أن تراعيه؛ فانهيار النظام في كوريا له تبعات يمكن أن تكون كارثية على الصين، أقلها تدفق ملايين اللاجئين الكوريين على الصين، مما يعني حدوث كارثة للتنمية والاقتصاد الصينييْن.

والأرجح أنّ ترمب، سيحاول أن يقنع نظيره الصيني بفتح الأسواق المحلية أمام الصناعات الأميركية، وتوقيع اتفاقيات تجارية يمكن أن يقدمها كإنجاز لزيارته، ويبدو أن الصين تفهم ذلك جيداً ولذا فإنها لا تمانع من تقديم تسهيل في هذا الموضوع، بعيداً عن الإضرار بمصالحها الإستراتيجية.

لعل أهم حدث يُنتظر أن يقوم به الرئيس الأميركي في رحلته الطويلة، هو إلقاؤه كلمة يوم الجمعة (10 نوفمبر/تشرين الثاني) في مؤتمر القمة الاقتصادية الإقليمية لمنظمة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا باسيفيك (APEC)، المنعقد في مدينة دانينغ الفيتنامية.

ويُتوقع أن يعلن ترمب في هذه القمة الإستراتيجيةَ الأميركية بقارة آسيا، والتي سترتكز على جعل منطقة الهند والمحيط الهادي منطقة تجارية مفتوحة، وتُعتبر ردًّا على المشروع الصيني العملاق المعروف باسم “مبادرة الحزام والطريق”.

تغيير أم مراوحة
وعلى إثر المؤتمر؛ سيسافر ترمب من مكان عقد المؤتمر إلى هانوي للقاء رئيس البلاد تران داي كوانغ لمناقشة مجموعة من المواضيع الهامة، لعل أبرزها الغضب الفيتنامي بسبب خروج واشنطن من اتفاقية التجارة عبر الهادي التي كانت فيتنام أكثر المستفيدين منها.

وكذلك سيحاول ترمب تعديل الميزان التجاري المائل لصالح فيتنام، ومناقشة النزاع الفيتنامي الصيني في بحر الصين الجنوبي، وإن كان جو النقاش ستطغى عليه المواضيع ذات البُعد الاقتصادي.


لا شك أنّ هذه الجولة الآسيوية ستكون اختباراً للإدارة الأميركية الحالية والتي أمطرت إدارة أوباما السابقة بانتقادات عديدة، انصبّت على عجزها عن معالجة التمدد الصيني ونمو التهديد الكوري الشمالي، وإبرام الاتفاقيات التجارية التي تصفها إدارة ترمب عادة بأنها كانت “غير عادلة”. لكن كثيراً من الخبراء الأميركيين يتخوّفون من الأداء الشخصي لترمب بشخصيته المنفلتة 

زيارة ترمب للفلبين يوم الأحد (12 نوفمبر/تشرين الثاني) لن تكون أقل أهمية من الزيارات التي سبقتها، وذلك لأهمية اللقاءات التي سيعقدها ترمب مع زعماء الدول الآسيوية، كما يبدو أن مضيفه الفلبيني رودريغو دوتيرتي سيكون أكثر أريحية معه من سلفه أوباما، نتيجة للتشابه بينهما فكلاهما شعبوي ونزق.

وقد يشكل ذلك فرصة لعلاقة أكثر تقارباً بين مانيلا وواشنطن، ويعتقد أن رئيسيْ البلدين سيناقشان موضوع كوريا الشمالية، والدعم الأميركي المقدم للفلبين في سياق محاربة تنظيم القاعدة.

كما سيصادف وجود ترمب هناك انعقاد اجتماعات متعددة لمنظمة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان)، ومن المرجح صدور بيان يؤكد حرية الملاحة في الممرات البحرية الإستراتيجية، رغم أنّ الأمور قد لا تكون سهلة بسبب وجود دول على علاقة طيبة مع الصين (مثل ماينمار ولاوس وكمبوديا)، وكلها لها حق الفيتو الذي يمكن أن يعطل أي قرار من قرارات المنظمة.

لا شك أنّ هذه الجولة الآسيوية ستكون اختباراً للإدارة الأميركية الحالية والتي أمطرت إدارة أوباما السابقة بانتقادات عديدة، انصبّت على عجزها عن معالجة التمدد الصيني ونمو التهديد الكوري الشمالي، وإبرام الاتفاقيات التجارية التي تصفها إدارة ترمب عادة بأنها كانت “غير عادلة”.

ويبدو أنّ كثيراً من الخبراء الأميركيين يتخوّفون من الأداء الشخصي لترمب بشخصيته المنفلتة اللسان وخطابه الشعبوي، والذي يزور منطقة تقيم اعتباراً كبيراً للبروتوكول والشكليات؛ فهل سينجح في استثمار علاقات شخصية سبق له أن بناها مع زعماء الدول؟ أم ستتحول الرحلة إلى سلسلة مواقف تثير السخرية وتطيح أرضا بالإنجاز الإعلامي المنشود منها؟

أمّا على صعيد تنامي قوة كوريا الشمالية، فقد أدت محاولات الولايات المتحدة الأميركية السيطرةَ على كوريا -في خمسينيات القرن الماضي- إلى “الحرب الكورية”، التي تمّ بناءً عليها تقسيم البلد إلى قسمين: القسم الجنوبي -وهو القسم الأكبر ويدين بالولاء لواشنطن، والقسم الشمالي الذي وقّع معاهدة دفاع مشترك مع الصين عام 1962.

وبعد عقود من استخدام إستراتيجيات أميركية مختلفة ومن محاولات الضغط على الصين الحليف الرئيسي لكوريا الشمالية؛ لم يستطيع الجانب الأميركي أن يُخضع الكوريين الشماليين، بل دفعهم إلى مزيد من التسلح.

فهل سيدرك الجانب الأميركي في النهاية أن أفضل طريقة للتعامل مع كوريا الشمالية هي احتواؤها والتعامل معها كحقيقة نووية واقعة، مما يعني جرّها إلى طاولة الحوار وإعطاءها أدواراً إقليمية أكبر، وفرصاً اقتصادية كبرى تُخرجها من العزلة التي تعيش فيها ومن حالة الخوف، وتشجعها على الانفتاح تدريجياً على العالم والاندماج في المجتمع الدولي، والدخول في لعبة المصالح والمكاسب.

Share:FacebookX
Join the discussion