يبدو أنّ قرار الحزب الحاكم في الهند إعلان ضم إقليم كشمير بشكل كامل إلى الهند من خلال إلغاء المادة 370 في الدستور، جاء مفاجئا لكثير من المتابعين، مع أنّ حزب الشعب الهندي (BJP) لم يكن يخفي نيته بهذا الخصوص، فقد ضمّن برنامجه الانتخابي للدورة الثانية على التوالي، بندا حول الموضوع، مع فارق لم يُلق (فيما يبدو) الكثيرون له بالا، حتى تحقق، إذ حذف في برنامجه الانتخابي للدورة الحالية، عبارة بالتشاور مع أصحاب العلاقة، من نص إلغاء القرار، خلافا للمرة الأولى.
جاء الإعلان مخطّطا له بدقة (فيما يبدو)، إذ سبق ذلك فترة انتهت فيها مدة المجلس التشريعي للولاية، وحلّ الحكومة المحلّية، وتم الإعلان عن أنّ الانتخابات في الإقليم غير ممكنة بسبب عدم القدرة على توفير الظروف الأمنيّة المناسبة لعقدها، نتيجة للأعمال الإرهابية التي شهدها الإقليم في ذلك الحين، الأمر الذي (في الوقت نفسه) لم يعطّل الاقتراع في الانتخابات العامة. وبذلك لم تكن هناك حكومة محلية للإقليم ولا مجلس تشريعي، عندما دفع الحزب الحاكم بمشروع القرار إلى مجلس النواب واستصدر قرارا تنفيذيا رئاسيّا لإلغاء المادة 370، والتي قامت عليها معاهدة انضمام الإقليم للهند عام 1947م، بدون مشاورة الإقليم، مع تقسيم الإقليم إلى منطقتين مركزيتين تحكم من قبل المركز في دلهي بشكل مباشر.
ترافق الإعلان الهندي مع اعتقال أهم الشخصيات السياسيّة الفاعلة في الإقليم، ككبار الوزراء السابقين والشخصيات العامة والقيادات المجتمعية والتي كانت تعارض فكرة الانفصال عن الهند، مثل محبوبة مفتي وعمر عبدالله، وقطع شبكات المواصلات والاتصالات وإعلان حظر التجوال، والطلب من الأجانب مغادرة الإقليم، والإعلان عن توقيف موسم الحج الهندوسي.
خلفيات تاريخية
يصل تفسير الخلفيات التاريخية بين مؤيد ومعارض إلى حد التناقض، فالمُثبت تاريخيا أنّ كشمير التي تضمّ بعض أهم الأماكن المقدسة لدى الهندوس، شهدت تحول سكانها إلى الإسلام في فترة متأخرة نسبيّا. بعد استيلاء البريطانيين على كشمير تم بيعها إلى حكام منطقة جمّو من قبيلة الغركا الهندوسيّة، رغم أنّ أغلبية السكان كانت من المسلمين. في عام 1924م تم منح الإقليم ميزات خاصة تضمن تميز شخصية الإقليم، وبقي الأمر على ذلك حتى عام 1947م، حيث تمّ الإعلان عن انفصال باكستان (كمنطقة خاصة للمسلمين) عن الهند، وبقيت أربع إمارات يجب تحديد وضعها، منها إقليم كشمير. ولكن كان لحاكم الإقليم هاري سينغ رأي آخر، إذ آثر عدم الانضمام إلى أي من الدولتين والحفاظ على استقلال الإقليم، فهاجمت قوى باكستانية غير نظامية من قبائل البشتون الإقليم، مما اضطر هاري سينغ إلى اللجوء إلى الحكومة الهنديّة في نيودلهي طلبا للحماية، والتي اشترطت عليه توقيع اتفاقية انضمام إلى الهند، فوقّع على ذلك دون تفويض شعبي، مشترطا الحفاظ على استقلالية نسبية للإقليم؛ بأن يكون له دستوره وبرلمانه وحكومته وقوانينه الخاصة، وأن يفوض الحكومة المركزية بشؤون الدفاع والخارجية والاتصالات، وهو وضع مؤقت ريثما يتم حل النزاع في الإقليم، كما اشترط أن يُنص على ذلك في الدستور الهندي تحت المادة 370. وتعدّ هذه الرواية أقرب إلى رواية سكان الإقليم.
يرى المعارضون لهذه الرواية أنّ المادة 370 كانت مؤقتة كحالة انتقالية قبل الاندماج الكامل في الهند، وأنّ ما حصل عليه الإقليم نتيجة لذلك إنّما كان وضعا خاصا مُنح له من باب تسهيل انضمامه إلى الهند، وليس حالة تعاقدية دائمة بين جهتين، كل منهما لها صفة سيادية، وبالتالي فإنّ الأصل هو إنهاء هذا الوضع الذي استمر لعشرات السنين دون مسوغ مقبول.
برّر الحزب الحاكم أفعاله في البرلمان، على لسان وزير الداخلية أميت شاه، بأنّه يصحّح خطأ تاريخيّا. فالمادة المشار إليها آنفا، هي من وجهة نظره الذريعة الأساسية للإرهاب، وهي مخالفة لحقوق الإنسان وبالذات حقوق المرأة الكشميرية، والتي تمنعها هي وذريتها من التملّك إن هي تزوجت شخصا من خارج الإقليم، وفيها إضرار بحقوق كل أولئك الذين أقاموا على أرض الإقليم لعقود عديدة دون أن يكون لهم الحق في العمل أو التملك فيه، كما أنّ إعطاء الكشميريين الحق بالتشريع لأنفسهم جعل قوانينهم بالية وغير موافقة للعصر ولما هو معمول به في الولايات الأخرى في الهند.
ردود فعل المؤيدين
يستمد الحزب الحاكم مشروعيته من التأييد الشعبي الواسع الذي حصل عليه في الانتخابات الأخيرة، وهو أمر لم يحصل عليه أي حزب آخر منذ قرابة ثلاثة عقود، مما يمكّنه من الحكم بشكل مريح. وأغلبية ناخبيه يرون في كشمير مشكلة آن وقت حلّها بصرف النظر عن الطريقة. كما أنّه يستند إلى داعمتين مهمتين، هما تأييد أكبر جمعية طوعيّة في العالم، وهي جمعية المتطوعين الوطنيين المعروفة اختصارا بمنظمة “آر.إس. إس” الهندوسيّة اليمينيّة، والتي ينتمي إليها أغلبية كبار شخصيات وقيادات الحزب، والدعامة الثانية هي طبقة كبار رجال الأعمال، وكلا الفئتين ترى في القرار قرارا مواتيا، إذ أنّه يتماشى مع مبادئ حركة “آر إس إس”، والتي تدعو إلى وحدة أراضي الهند تحت الأغلبية الهندوسية ضمن ما يعرف بعقيدة الهندوتفا. أمّا فئة كبار رجال الأعمال، فهم يرون في الإقليم فرصا استثمارية كبيرة، كانت المادة 370 تحول بينهم وبين التوسع في الاستثمار في الإقليم نتيجة لحصر الملكية في أهل الإقليم، وبزوال هذه المادة ينفتح الباب أمامهم على مصراعيه بهذا الخصوص.
كما أنّ بعض غير المسلمين الذي يقيمون في الإقليم يرون إلغاء المادة فرصة للم شملهم بالأغلبية الهندوسية، وإنهاء احتكار أغلبية السكان من المسلمين للميزات، كالوظائف الحكومية في الإقليم، وخصوصا أولئك الذي وفدوا وأقاموا في الإقليم بعد عام 1947م، والذين يتم التعامل معهم (رغم مرور كل هذه السنوات) كغرباء.
ردود فعل المعارضين
الكشميريين
أبرز المعارضين لهذا القرار هم أهل الإقليم، من الكشميريين، الذين ينقسمون إلى قسمين؛ القسم الأول يعتبر الوجود الهندي في الإقليم احتلالا أجنبيا ويرى مقاومته بكل السبل المدنية والعسكرية، وقسم آخر يؤمن بالحل السياسي تحت مظلة الدولة الهندية مع احتفاظ الإقليم بشخصيته، وهم طالما نظروا إلى علاقتهم مع المركز على أنّها علاقة تعاقد بين طرفين وليست علاقة اندماج كامل. وقد شارك هؤلاء بالحياة السياسية من خلال الانتخابات المحلية والمركزية وتبوأوا المناصب المختلفة، رغم انتقاداتهم أحيانا لسلوك الحكومات المركزية تجاه الإقليم، التي عملت على تآكل الميزات الممنوحة للإقليم في المادة 370 من الدستور.
أكثر ما يثير خوف الكشميريين من هذا القرار هو سعي المركز إلى تغيير هوية الإقليم، الأمر الذي عبّر عن جانب منه العديد من سياسيي الحزب الحاكم في المركز، من خلال دعوتهم كوادر وشباب حزب الشعب الهندي إلى الزواج من فتيات الإقليم “الجميلات” (على حد تعبيرهم)، والسعي إلى تغيير التركيبة الديمغرافية، من خلال السماح للشركات الكبرى ومؤسسات الدولة بتملك أراضي الإقليمي وإقامة مشاريع كبرى عليها تستقدم ملايين الهنود من الهندوس، ليصبح أبناء الإقليم من المسلمين أقلية في وطنهم، وهو ما يتوافق (حسب رأيهم) مع عقيدة الهندوتفا التي يعتنقها زعماء الحزب الحاكم، والتي تسعى إلى تقويض الوجود الإسلامي في الهند، وهو ما يهدف إليه تفتيت الإقليم وتحويله إلى مناطق تدار من المركز.
بات من الواضح أنّ الحزب الحاكم في دلهي، قد سدّد ضربة موجعة للغاية لمن يؤمنون بالحل السياسي، أمثال كبار الوزراء السابقين؛ فاروق عبد الله محبوبة مفتي وعمر عبد الله، باتخاذ قرار إلغاء المادة المشار إليها، دون الرجوع إلى جهة التعاقد، وهي سكان الإقليم الممثلين بالبرلمان المحلي (منته المدة حاليا) أو سياسيوه، أو حتى اللجوء إلى استفتاء شعبي. وإلغاء شخصية الإقليم من خلال تقسيمه إلى قسمين وتنزيل مستواه إلى مناطق مركزية تدار بشكل مباشر من قبل نيودلهي؛ هو ما فهمه هؤلاء على أنّه إملاء مباشر يستفيد من حالة تفاوت القوى بين الطرفين، معتبرين سياسة الحكومة بأنّها غير دستورية وخيانة لشعب كشمير.
أسهمت خطوة الحكومة المركزية في توحيد مواقف الأطراف المتخاصمة، إذ أنّ هناك إجماعا شعبيا في كشمير على رفضها، وهو أمر في غاية الخطورة ولم يسبق له مثيل في تاريخ الهند، ومن المستبعد أنّ تكون الحكومة المركزية غافلة عنه، وإن كانت في ما يبدو تعوّل على فرض أمر واقع بحكم امتلاكها العديد من أوراق القوة، بما في ذلك وجود حوالي نصف مليون جندي هندي في الإقليم. ولكنّها مع ذلك تخوض غمار مغامرة خطرة، يمكن أن تقود إلى توحّد القوى الكشميرية المتنازعة على رفض الوجود الهندي وإعلانه حالة احتلال، ومقاومته بكل السبل انطلاقا من حالة إجماع وطني، ما يعني أنّ الأمور يمكن أن تتحوّل إلى حالة عصيان مدني ومواجهة عنيفة شاملة مع الهند، وليس عمليات محدودة يمكن السيطرة عليها كما كان في السابق، وهو أمر ممكن خصوصا مع توفر الدعم الباكستاني، ويمكن أن يتحوّل إلى حالة استنزاف للقوة المسلحة الهندية والاقتصاد الهندي (إن حصل)، وبالتالي إضعاف شعبية الحزب الحاكم في دلهي وربما خسارة كشمير إلى الأبد.
المسلمون الهنود
يعاني مسلمو الهند من الإقصاء والتهميش، حسب تقرير لجنة ساشر الحكومية في 2005م، إذ تبلغ نسبة تمثيلهم في البرلمان الحالي (على سبيل المثال) أقل من 5 في المئة، وهي ثلث نسبتهم من السكان. وينظر غالبية مسلمي الهند اليوم إلى هذا القرار بكثير من القلق والخوف على مستقبلهم، فهو من وجهة نظر الكثير منهم يأتي ضمن خطة معلنة يتبنّاها حزب الشعب الهندي (الذراع السياسي لحركة “آر إس إس”)، لتصفية الهوية الإسلامية والوجود الإسلامي في الهند. ولن تقتصر هذه الجهود على كشمير، بل ستمتد لتمس كل مسلمي الهند الذين تبلغ نسبتهم حسب الإحصاءات الرسمية حوالي 15 في المئة من السكان (وحسب تقديرات بعض زعمائهم حوالي 20 في المئة من السكان)، وذلك عبر خطوات؛ أهمها تحقيق الجنسية، والذي أعلنت الحكومة أنّها ستطبّقه قريبا، والمعروف بـسجل الجنسية الوطني (NRC). وقد شهدنا حالة تجريبيّة منه في ولاية آسام في الدورة الماضية، أدت إلى سحب الجنسية من حوالي أربعة ملايين مواطن، ثلثيهم من المسلمين، مع إعلان الحكومة أنّها ستقر قانونا يسمح بتجنيس الهندوس بالجنسية الهندية، مما يعني عمليا استهداف المسلمين حصرا بهذه الإجراءات التي تعتمد على صعوبة إثبات الجنسية، وبالتالي سيفقد عشرات الملايين من المسلمين وربما مئات الملايين منهم حق المواطنة، وسيتحولون إلى مجتمع دون هوية، ودون حقوق سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية، وسيعيشون (إن سمح لهم) على هامش الدولة والمجتمع.
عامة الهنود
غني عن القول بأنّ الحزب الحاكم وإن كان قد فاز بالأغلبية الانتخابية، فإنّه لا يتمتع بدعم كل الهنود، فالفئة الأكبر إمّا لم تشارك في الانتخابات أو تفرّقت أصواتهم على منافسيه، وكثير من هؤلاء وإن كانوا متفرقين سياسيّا إلاّ أنّهم لا يرون الهند دولة أغلبية هندوسيّة على غرار ما يفعل الحزب الحاكم وحركة “آر إس إس”، وهم يخشون أن يقوم حزب الشعب الهندي بتغيير هوية الهند ودستورها من دولة ديمقراطية علمانية لكل سكانها، إلى دولة تتبع أيديولوجيا هندوتفا، التي يتبناها الحزب، وأن تتحول الأقليات الدينية والعرقية إلى أقليات مضطهدة ومهمشة على غرار ما حصل للمسلمين.
ويأتي قرار إلغاء المادة 370 وتقسيم إقليم كشمير من دون موافقة سكانه كسابقة يمكن أن تُطبّق على أية ولاية أخرى، وهو أمر بالغ الخطورة، إذ أنّ الفترات التي توحّدت فيها الهند في التاريخ كما هي الآن؛ فترات محدودة ومتباعدة. والجمهورية الهندية هي حالة توافقية بين كثير من الإمارات والممالك السابقة التي تتبع أديانا واعتقادات كثيرة، تحت سقف دستور علماني توافقي صيغ بعناية كي يمثل مصلحة الجميع، والذهاب نحو تغيير الدستور وإعادة توزيع الولايات وطريقة حكمها على هذا الغرار يمكن أن يتكرر في أي مكان آخر، مما سيؤدي إلى انفراط العقد في أماكن أخرى عديدة.
موقف باكستان
من الصعب القول إنّ باكستان فوجئت بالقرار، فقضية كشمير قضية مزمنة وقديمة، وفي نفس الوقت بالغة الأهمية من الناحية الاستراتيجية والسياسيّة لإسلام أباد، وهي بحكم ذلك لا بد أنّها كانت تتوقع قرارا من هذا النوع، وعليه فإنّ ردود فعل باكستان وإن كانت على صعيد الشارع انفعاليّة، إلاّ أنّها على صعيد النخبة منضبطة إلى حد بعيد، تجلى ذلك من خلال المقاربة الدبلوماسية للموضوع والدعوة إلى تدخل الأمم المتحدة.
القرار من الناحية الواقعية محدود التأثير على باكستان في الوقت الحالي، فالجزء الخاضع للسيادية الهندية منعزل انعزالا شبه تام عن الجزء الذي تتحكم فيه باكستان. صحيح أنّ تغيير التركيبة الديمغرافية في الإقليم يمكن أن تأتي بجيران خطرين بالنسبة لباكستان، ولكن ذلك سيستغرق سنوات عديدة، غير أنّ الاختبار الأهم هو تأثير القرار على مصداقية وشعبية الجيش، والذي بنى جزءا كبيرا منها على سردية مواجهة الهند في كشمير والدفاع عن حقوق أهل الإقليم، وهو ما سيضعه في حرج أمام الشارع الباكستاني الذي يتوقع منه أن يضع حدا للتغول الهندي، وهو أمر غير محتمل في الوقت الحالي، كما هو ظاهر من التصريحات الباكستانية والمؤشرات الاقتصادية، رغم إعلان رئيس أركان الجيش الباكستاني أنّ الجيش الباكستاني يمكن أن يذهب إلى أقصى مدى في الدفاع عن كشمير.
موقف الدول الإسلامية
أمّا عن الدعم الإسلامي لباكستان، فهو في ما يظهر غير موجود، وإنّ وجد فلن يكون فعّالا. صحيح أنّ الموقف التركي موقف قوي بحكم العلاقة المتقدمة بين البلدين، لكنّه موقف غير مؤثر في السياسة الخارجية الهندية. أكثر الدول الإسلامية تأثيرا على الهند هي دول الخليج، والتي تصل حجم التجارة بينهما حوالي مئتي مليار دولار سنويا، ويُقدر عدد المغتربين الهنود فيها بالملايين، ويُعدّ الخليج مصدر الطاقة الرئيس بالنسبة للهند، ولذا فإنّ له تأثيرا كبيرا على الاقتصاد الهندي، ولكن هذه الدول، ومنها السعودية والإمارات، ليست بوارد مساعدة باكستان، والتي تخلّت عنها (من وجهة النظر السعوديّة والإماراتيّة) عندما رفضت أن تساهم إسهاما حقيقيّا في حرب اليمن ومواجهة إيران. جلّ اهتمام السعودي والإماراتي كان منصبّا على توظيف الجيش الباكستاني في حماية مصالحهما، وعندما أبدت باكستان موقفا يتماشى مع مصالحها بعيدا عن طلبات أبو ظبي والرياض، تمّ النظر إلى ذلك في الخليج على أنّه طعنة في الظهر، ودخلت هذه الدول حالة التربص بباكستان، وانتظار اللحظة المناسبة لمعاقبتها، وقد رأينا مصداق ذلك بالتقارب الهندي الإماراتي والسعودي المتصاعد، والوعود الاقتصادية غير المنجزة لباكستان.
هذا الموقف تمّ التعبير عنه سياسيا عندما صرّح السفير الإماراتي في الهند، عقب الإعلان عن إلغاء المادة 370، بأنّ الأمر هو شأن داخلي هندي، وهو تصريح لا يراد منه توصيف الوضع القانوني (بالطبع)، بل عكس الموقف السياسي الإماراتي من القضية، وبالتالي الموقف السعودي، ما يؤشر بأنّه لن تكون هناك حالة إجماع داخل منظمة التعاون الإسلامي، لو تمّ رفع القضية إليها، فضلا عن أنّ الموقف الإسلامي عموما موقف غير فعّال، وهو ما رأينا مصداقه على سبيل المثال في الدعم المحدود، والذي يقتصر في كثير من الأحيان على الكلامي منه، للقضية الفلسطينية، وخصوصا خلال العدوان على القدس والمسجد الأقصى، وهي قضية مقدسة جامعة، وليست نزاعا إقليميا على غرار قضية كشمير.
الموقف الدولي
أمّا على الصعيد الدولي، فإنّ الموقف الصيني (كما كان متوقعا) كان معارضا للقرار الهندي وأقرب إلى الموقف الباكستاني، بحكم علاقة التحالف بين الطرفين، وأنّ الصين تسيطر على ما يقرب من 20 في المئة من الإقليم، لذا فإنّها معنية بما يجري فيه بشكل مباشر، غير أنّه قد ظهر جليّا أنّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن لا يريان في القرار الهندي شأنا طارئا، فلم يتم عقد مجلس الأمن على الفور، كما طلبت باكستان، وتمت مطالبة جميع الأطراف بضبط النفس، ما يعني قبولا ضمنيّا بالأمر الواقع الذي فرضته الهند. وما كان ذلك ليكون لولا التغاطي الأمريكي الذي يرى في الهند اليوم حليفا قويّا في مواجهة الصعود الصيني، وربما لإرسال رسالة مؤلمة إلى الباكستانيين، مفادها أنّه باصطفافهم مع الصينيين فإنّهم يصطفون في الجهة الخاطئة وعليهم دفع الثمن، الأمر الذي رد عليه الباكستانيون بصورة غير مباشرة عن طريق زعيم المعارضة، شهباز شريف، بأنّ الموقف الأمريكي ستكون له أثمان تدفع من خلال تخلي باكستان عن دعم المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان.
خيارات واحتمالات
هناك عدة احتمالات لتطور الوضع في كشمير عقب الإعلان الهندي، منها على سبيل المثال رفض القرار لأسباب دستورية، وهو أمر غير مرجح، وذلك بسبب الإعداد المسبق المحكم من قبل الحزب الحاكم، وتغلغله في مؤسسات الدولة بما في ذلك القضاء، أو احتمال تراجع الحزب الحاكم عن القرار تحت تأثير ضغوطات داخليّة ودوليّة، وهي وإن كانت موجودة إلاّ أنّها غير مؤثرة، ولا ترقى البتّة إلى حمله على اتخاذ قرار من هذا النوع. أمّا احتمال نشوب حرب مع باكستان، فهو أمر غير مرجح كما سبق وأشرنا، ولذا فإنّ الاحتمالين الأقوى هما، قبول سكان الإقليم بالأمر الواقع وسط ردود فعل محدودة يمكن احتواؤها، بالتالي اندماج كشمير بشكل كلي في الهند، أو الذهاب نحو حالة إجماع وطني تعتبر الوجود الهندي احتلالا أجنبيا وتطلق ثورة شعبية طويلة المدى، بدعم باكستاني، تستنزف الهند وتجبرها على سحب القرار، أو حتى منح الشعب الكشميري حقة بتقرير المصير، وهو خيار خطر وعالي الكلفة بالنسبة لجميع الأطراف، بما في ذلك الشعب الكشميري والهند وباكستان.
آفاق المستقبل
تُعدّ الهند جزءا لا يتجزأ من الشرق، تشترك معه في حضارته ومصيره، وقد نالها ما نال بقيته من ظلم الاستعمار، ولذا فإنّ معاداة الهند والتصعيد ضدها هو أمر خطر وبالغ الكلفة، غير أنّها بحكم النظام الديمقراطي الذي تتبعه ومن مقتضياته تداول السلطة؛ تُحكم اليوم من تيار يميني يريد أن يفرض نفسه كقوة مهيمنة في المنطقة، ولذا فإنّ على الدول العربية والإسلاميّة إن هي أرادات التأثير في القرار الهندي؛ ألا تستمر بالتعامل المنفرد مع الهند، عازلة مصالحها عن بعضها البعض، بل يجب مقاربة هذه العلاقة مقاربة جماعيّة محكمة، تضع الأمور في نصابها، وتجعل ميزان المكاسب والخسائر في علاقة من هذا النوع، غاية الجلاء في ذهن صاحب القرار الهندي.