أثارت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المرتقبة إلى الشرق الأوسط الكثير من النقاش في المنطقة، مع التكهنات بأسبابها والمخرجات منها، وليس أقلها قوله إنه سيعمل على إنشاء تحالف أمني بين إسرائيل وبعض الدول العربية، لمواجهة أي تهديدات مزعزعة للاستقرار.
وأطلق على هذا التحالف اسم “ناتو الشرق الأوسط” الأمر الذي يثير بعض الأسئلة الأساسية، مثل لماذا يجب أن يكون هناك مثل هذا التحالف، ومن سيواجه؟، وهل الناتو على أي حال نموذج ناجح يمكن تكراره في مكان آخر؟ علاوة على ذلك، هل يحتاج العالم العربي فعلاً إلى مثل هذا التعاون، وماذا سيكون دور إسرائيل؟
صحيح أن الشرق الأوسط يعاني من عدد لا يحصى من المشاكل المترابطة التي تسببت في عدم الاستقرار والمعاناة طوال معظم القرن العشرين وما زالت مستمرة حتى الآن، لكن الافتقار إلى الاستقلال السياسي الحقيقي، وسوء الحكم، وصراع القوى، والنزاعات الحدودية، والحروب بالوكالة، والإرهاب، والاقتصادات الفاشلة، والفقر والحرمان، والبطالة، والفساد، والعنف المنزلي، والهجرة ليست سوى عدد قليل من هذه المشاكل.
ومع ذلك، ما هو السبب الجذري الرئيسي لها؟ وعلى الرغم من أن الغرب يؤمن بسياسات السوق وقدرة السوق على تصحيح نفسه، إلا أنه لا يجوز تطبيق ذلك على الشرق الأوسط، لأن المنطقة لم تُترك لتقرير مصيرها بالاعتماد على الديناميكيات الداخلية، وفرضت الأيدي الاستعمارية الأجنبية الشروط والأحكام، وتم تحديد الحدود الإقليمية من قبل القوى الاستعمارية – بريطانيا وفرنسا – ورسم خطوط على الخريطة خلال الحرب العالمية الأولى قبل تفكيك الإمبراطورية العثمانية، ثم تم استخدام اتفاقية سايكس بيكو لعام 1916 بعد الحرب للتقسيم والحكم.
عملت القوى الاستعمارية الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، بشكل منهجي على تعريض أي جهود حقيقية للاستقلال الإقليمي للخطر، والعمل مع الطغاة والرجعيين المحليين للحفاظ على المصالح وعدم تحقيق الأحلام الوطنية، بل إنهم تعاونوا مع معارضي الديمقراطية والحرية مقابل ولائهم، بغض النظر عن افتقارهم إلى الشعبية والشرعية، ونتيجة لذلك، فإن الأنظمة الإقليمية قادرة على العمل دون أي شكل من أشكال المساءلة الشعبية؛ ونتيجة لذلك فالحكم بالمنطقة لا يبنى على الكفاءة والوطنية، بل على الولاء.
لم تكن مثل هذه الأنظمة السياسية تهدف إلى بناء دول حديثة لشعوب حرة، وبددت ثروات دولهم وشعوبهم على أفراد الأسرة والخدم المخلصين، وعملت على خلق واجهة من الحداثة مثل المباني الشاهقة وملاعب الجولف، مع غياب الحكم الرشيد الحقيقي، وهي دول فاشلة في كل جانب تقريبًا، على الرغم من امتلاكها حضارة قديمة.
المشكلة المضافة، بالطبع، كانت إنشاء وفرض دولة إسرائيل الصهيونية في المنطقة، كموقع استيطاني أمامي يهدف لفرض إرادة الغرب على المنطقة، وصممت الدول الاستعمارية في الغرب إقليمًا لضمان بقاء إسرائيل آمنة وأقوى دولة في الشرق الأوسط.
لم يُسمح لأي دولة عربية أن تكون قوية بما يكفي لتشكل تهديد للدولة الصهيونية، سواء كانت مصر في عهد عبد الناصر، أو العراق تحت حكم صدام حسين، أو إيران في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، أو حتى تركيا في عهد أردوغان، فجميعهم يجب أن يتم تشذيبهما، وإذا لزم الأمر، اقتلاعهم من جذورهم للحفاظ على إسرائيل كقوة مهيمنة.
على هذا النحو، فإن السبب الجذري لمعظم مشاكل المنطقة هو التدخل الأجنبي، وخاصة من الولايات المتحدة، وإيران شئنا أم أبينا، هي جزء لا يتجزأ من المنطقة، وكانت هناك دائمًا، ولطالما امتلكت الدول العربية الكبرى ما يكفي من القوة والإرادة السياسية للوقوف في وجه طموحاتها والعيش جنبًا إلى جنب معها.
الأمر نفسه ينطبق على القوى الإقليمية الأخرى، مصر وتركيا، حيث اعتاد هؤلاء الثلاثة على إيجاد طرق لحل خلافاتهم ومشاكلهم، معظم الوقت سلميًا، وأحيانًا بالقوة، تمامًا مثل الأوروبيين.
طالما أن القوى الأجنبية، بما في ذلك إسرائيل، تتدخل في شؤون المنطقة، فإن الوضع الحالي سيظل قضية للجميع، ليس أقلهم على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط، تم بناء الناتو على أساس وجود قوتين عظميين، وجعل الناس والدول مستعدة للحرب في أي وقت، سيسبب مواجهة عسكرية جديدة، فتوسعة الناتو – سواء وافق الغرب أم لا – كان سبب المواجهة العسكرية في أوكرانيا، حيث استفزت روسيا، وهو الأمر الذي لا يزال من الممكن أن يؤدي إلى حرب عالمية أخرى.
لماذا نحتاج مثل هذه المنظمة في منطقتنا؟ الفكرة بحد ذاتها نذير شؤم لأنها توحي بأن الحرب حتمية، بالإضافة أن المزيد والمزيد من مواردنا الطبيعية المتدهورة وثرواتنا ستُنهب وينتهي بها الأمر في الجيوب الأمريكية حيث تشتري أنظمتنا المزيد من الأسلحة وتبني جيوشًا وقوات أمن أكبر ستُستخدم لخوض حروب جديدة أو لقمع شعبها الذي يتوق إلى الحرية والديمقراطية، ولقد رأينا الكثير من ذلك في الآونة الأخيرة.
لدى الشرق الأوسط ما يكفي من أيدي القوى الأجنبية وحلفائها، ولقد حان الوقت لأن يتركوننا وحدنا لإعادة بناء منطقتنا حيث يتعين علينا نحن، وليس هم، العيش والعمل، وإلى أن يحدث ذلك، وما لم يحدث ذلك، يمكن لأوروبا على الأقل أن تتوقع أن ترى ملايين المهاجرين الآخرين يبذلون كل جهد ممكن لعبور حدودها بحثًا عن السلام والأمن لعائلاتهم، وعند ذلك لا يستطيع الغرب أن يقول إنه لم يتم تحذيره.