في أرض كنعانَ الجديدةْ
كنعانُ ليسَ لهُ منْ أرضهِ حتى الكَفَنْ
كنعانُ ليس منها العسلْ
كنعانُ ليس له منها اللَبنْ
ولا تينٌ ولا عنبٌ
ولا حتى حديدةْ
كنعانُ
مُجَرَّدٌ مِنْ لونهِ
مِنْ صوتهِ
من حُلْمِهِ
منْ أصلهِ
أمسى حبيسَ أوراقِ الجريدةْ
مِنْ أوّلِ الليلِ وكنعانُ يوسِّدُ رأسهُ
كُتُباً تؤرِّخُ سيرةَ أمّتِهِ المجيدةْ
وينامُ كنعانُ ينامْ
ليحلمَ أنّهُ فوقَ الحِصانْ
يلوِّحُ بالسيفِ اليمانِّي ويدعو للطِعانْ
كنعانُ كانْ
أسدَ الفَلا
بطلَ الزَّمانْ
كنعانُ كانْ
"وياما كانْ"
كنعانُ ينهضُ في الصباحِ
منتشياً ويحسبُ أنَّ ما كانْ
كائنٌ هذا الزمانْ
فتَّلَ شاربَهُ
وأمالَ كنعانُ العِقالْ
ثمَّ كنعانُ اكتحلْ
وتأكَّدَ في المرآة أنَّ الهندامَ اكتملْ
ومضى خارجاً
يقطعُ الشارعَ كي يشربَ القهوة مُعلناً بِدء النَّهارْ
كانَ ينظرُ مِنْ عَلٍ
نحو قطعانٍ مِنَ البشرِ الصِغارْ
مستغرِباً
كيف يمكنُ أنْ يكونَ الناسُ منكمشينَ
كقطعةٍ من الجلدِ قديمةْ
مضى كنعانُ في طُرُقِ المدينةْ
يبحثُ عن قهوة البنِّ السخينةْ
لكنّهُ خالفَ أنظمةَ السِّيرِ
وجاوزَ الممنوعْ
لم يعتدْ أنْ يطأطِئ للقوانينِ جَبينهْ
لمْ يعتدْ على هذا الخضوعْ
ثارت على الفورِ كلابُ الصيدِ
ومضتْ في إثْرِهِ
أمسكتْ أسنانُها مِنَ الخلفِ قفاهْ
"آه يا وِلداهْ"
ثارتْ في جوفِهِ الموجوعِ نارُ حميّةٍ أثريّةٍ وصاحْ:
"إخسأ أيها الكلبُ اللعينْ
أنا الأسدُ الهصورُ
أنا الرمحُ الذي لا ينْثَنيْ
أنا السيفُ الذي لا يلينْ"
وإذا بصفعةِ مخبرٍ
تهدمُ الشارِبَ المفتولَ وترمي بالعِقالْ
أرضاً وفوقَ جبينه تطأ النِعالْ
وبسرعةٍ مدّ اليدينِ إلى السلاحْ
وتحسَّسَ الخصرَ مِراراً دونَ أنْ يجدَ السلاحْ
في غيبة كنعانَ الطويلةْ
صادرَ المتحف سيفهْ
ورماهُ في قفص الزجاجْ
وأقامَ حولَ السيفِ حُرّاساً وأنشأ آلاف السياجْ
آهِ يا كتبَ التاريخِ
هلاّ منحتِ كنعانَ سيفا
كنعانُ غادرَ أرصفةَ المدينةْ
وتبرقعْ
ومضى إلى الجبلِ البعيد منتظراً ترَبَّعْ
مدَدَ القبيلةْ
لم يدرِ كنعانُ
أنَّ حكايةَ المُبَرْقعِ اليمانِّي ليست أصيلهْ
وأنَّ رواةَ الزورِ ابتدعوها
سلوةً للروحِ الذليلةْ
ما ثارَ المبرقعُ يوماً لِعِرْضٍ
ولا يوماً عصى جُنْدَ العَجَمْ
فكيفَ يا كنْعانُ
تثورُ على الذئبِ الغَنَمْ
بنو العباسِ ما هُزِموا
ولا وقفتْ في وجهِ دولتهمْ قبيلةْ
فلا قيسُ قيسٌ ولا اليمانيونَ يَمَنْ
وإلاّ أين فرسانُ الوغى تنقذ ما تبقى من كرامتكَ القتيلةْ
فدعْ جُندَ المَجوسْ
تصفع الوجهَ وعلى الرأس تدوسْ
لا الخيلُ خيلٌ
لا الرمحُ رمحٌ
لا السيفُ سيفٌ ولا هذي تروسْ
دولةٌ الخصيانِ
أيُّها المسكينُ عِدَّتُها كُؤوسْ
فارجِعْ إلى الكُتُبِ القديمةْ
نمْ هانِئاً بينَ السُطُورْ
أوْ فَعُدْ نحوَ أرصِفَةِ المدينةْ
وأزِلْ هذا الشارِبَ الأثرَيَّ وارمِ بالعِقالْ
وتَحلَّى بالصَّبرِ على الضيمِ
إنَّهُ خيرُ الخِصالْ
لا تقُلْ أين الرِّجالْ
كنعانُ صمَّمَ أن يُشعِلَ الثورةَ على الإفْشينْ
آه يا مسكينْ
كنعانُ المبرقعْ
يخاطِبُ الموتى وينخاهُمْ
ولكنْ متى الميّتُ يسمعْ
لم تَرِدْ بعدُ أخبارُ كنعانَ وثورتِهِ
على ألسنةِ المذيعات الجميلاتِ
ولم تشعرْ بهِ الدنيا
كل ما نقرأه أنَّ كنعانَ كانْ
في سالف الزمانْ
كل ما نعلمُهُ أنَّ كنعانَ
حبيسُ أوراقِ الجريدةْ
محمد مكرمْ
6/2/2007م
الدمّام