20 نوفمبر، 2024
الخفاش المستكشف
الرئيسية » الخفاش المستكشف

الخفاش المستكشف


سلسلة حكايات محمد مكرم

دار الحافظ


أمطرت السماء مطراً شديداً.هربت الطيور والحيوانات خوفاً على حياتها. كل حيوان وطائر اختبئ في مكان آمن.دخل عصفور صغير كهفاً عميقاً بعيداً عن المطر.كان الكهف مظلماً وهادئاً.نفض العصور حناحيه المبتلين بالماء فانتشرت قطرات الماء في كل الاتجاهات. جاء صوت من قلب الظلام قائلاً:
" توقف عن تبليلي بالماء أجوك!"
فتح العصفور عينيه كي يرى من يتكلم. شيئاً فشيئاً اعتادت عيناه على الظلام. رأى طيراً يقف على سقف الكهف بالمقلوب. ضحك العصفور كثيراً وقال:
" يا لك من طائر غريب. إنها المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها طائراً يقف ورأسه إلى الأسفل، ورجليه إلى الأعلى."
رد الآخر:
" إنني لست طائراً عادياً. أنا خُفّاش، ألا تعرفني؟!"
قال العصفور:
" لا فأنا لم أرك من قبل."
قال الخفاش:
" ذلك لأنني لا أخرج من كهفي إلا في الليل."
قال العصفور:
" أنا أنام في الليل. ولكن لماذا لا تخرج في النهار؟"
رد الخفاش:
" لأنّ النهار هو وقت النوم، والليل وقت العمل."
ضحك العصفور وقال:
" يا لك من مخلوق غريب. كل شيء عندك بالمقلوب. الليل هو وقت النوم، والدنيا كلها تصحو في النهار. ما أجمل الدنيا في النهار، وما أوحشها في الليل والظلام."
استغرب الخفاش من كلام العصفور وقال:
" الحقيقة أنني لم أر الدنيا في النهار من قبل. أنا أحب أن أرى الدنيا في النهار."
في الصباح التالي توقف المطر وأشرقت الشمس على الأشجار النظيفة، قال العصفور للخفاش:
"لماذا لا تصحبني يا صديقي لأريك كم هي جميلة الدينا في ضوء النهار وتحت أشعة الشمس."
تردد الخفاش قليلاً ثم قرَّر اللحاق بالعصفور وما أن خرج من ظلام كهفه إلى النور حتى أُصيب بالعمى ولم يعد يرى شيئاً. أغلق عينيه وقرَّر أن يعتمد على إحساسه. كانت الدنيا أكثر ظلمة عنده في النهار منها في الليل، لكنه خجل من العصفور وقرَّر أن يتبعه.
سأله العصفور:
" أليست الدنيا جميلة في النهار؟"
أجاب الخفاش الذي لم يكن يرى شيئاً:
"طبعاً . . طبعاً . . ما أجمل الدنيا في النهار."
" تعال يا صديقي أدلك على مكان فيه طعام كثير." قال العصفور للخفاش الذي تبعه مغمض العينين.
دخل العصفور حظيرة حيوانات يعيش فيها بعض الحمام والدجاج، وما أن رأته الطيور حتى أخذت تهرب من المكان وهي تصيح:
" احذروا الخفاش مصاص الدماء!"
صاح الخفاش خائفاً:
" لست مصاص دماء، إنني خفاش مسالم."
حدثت ضجة كبيرة في الحظيرة فجاء الإنسان ليرى ماذا يحصل، فرأى الخفاش. حمل الإنسان مكنسته الطويلة وراح يلاحق الخفاش محاولا ًضربه. هرب الخفاش الأعمى وصار يصطدم بالجدران والأعمدة حتى سقط على الأرض خارج الحظيرة. رأى قط الخفاش على الأرض فهجم عليه، صار الخفاش يركض على الأرض محاولاً الطيران لكنه كان يصطدم بالأشياء من حوله.
ناداه صديقه العصفور:
"اتبعني أيها الخفاش إذا أردت الهرب."
طار الخفاش على صوت العصفور وهربا من المكان حتى وصلا إلى باب الكهف المعتم، فدخل الخفاش كهفه على الفور.
قال الخفاش من داخل الكهف مخاطباً صديقه العصفور:
" خير لي أن أرى الدنيا في الليل بعيني، من أن أراها بعينيّ غيري ولو في النهار."

Share:FacebookX
Join the discussion