سلسلة محمد مكرم بلعاوي
دار الحافظ
في غابة بعيدة عاش دب مع صديقيه الثعلب وابن آوى في بيت من جذوع أشجار الصنوبر. كان الدب سميناً وضخماً، وكان الثعلب وابن آوى صغيري الجسم وهزيلان. كان الدب يأكل كثيراً ولا يعمل، ولا حتى ينظف البيت، بينما كان الثعلب وابن آوى يعملان طوال الوقت لكسب رزقهما، ولا يكاد الدب يترك لهما ما يأكلانه. ذات يوم قال الثعلب لابن آوى:"إلى متى سيبقى الدب يأكل ما نكسب، ولا نجد نحن ما نأكله، لا بد أن نضع حداً لهذا الوضع." في المساء وقبل أن يعودا إلى المنزل أكلا كل ما جمعاه من طعام ذلك اليوم، ثم عادا إلى فراشهما. جاء الدب ليطمئن على صحتهما، فقالا له أنهما أصيبا بمرض معدٍ لا شفاء منه وأنهما لا يستطيعان كسب قوتهما بعد اليوم. عندما أدرك الدب أنه لن يجد ما يأكله، قرر ذات صباح أن يأخذ ما تبقى في البيت من كسر الخبز، ويفتش عن مكان آخر يجد فيه طعاماً. فرح الثعلب وابن آوى بنجاح خطتهما وأملا ألا يعود الدب إليهما أبداً. مشى الدب في الغابة مفتشاً عن شيء يأكله لكنه لم يجد ما يسد فيه جوعه. كان كلما رأى شيئاً يأكل كان لا بد أن يصعد شجرة أو ينزل وادياً أو يصعد جبلاً للحصول عليه، لكنه لم يعتد أن يتعب للحصول على طعام، لذا فضّل أن يبقى بالجوع. أخيراً، لم يستطع السير أكثر فسقط على الأرض من شدة الجوع، واسند ظهره إلى شجرة، وأخذ يفكر كيف ورط نفسه بهذا الوضع، ومن شدة الجوع ذهب في النوم. عندما استيقظ كان المساء قد حل، فرأى نوراً يخرج من شجرة غير بعيدة، فقرر أن يذهب إليها عله يجد طعاماً أو مكاناً لينام الليل فيه. عندما دخل الشجرة وجد قدراً كبيراً قد وضع على مجموعة من الأحجار وكانت النار تشتعل تحته. فرح الدب كثيراً لرؤيته القدر وقال لنفسه أنه سيحصل أخيراً على وجبة طعام ساخن. نادى الدب على صاحب البيت فرد عليه صوت ضعيف من زاوية المكان، وعندما اقترب الدب رأى ثعلبة عجوزاً تنام في سرير صغير. سأل الدب العجوز قائلاً: "هل أجد لديك طعاماً أيتها العجوز الطيبة، إنني جائع جداً؟" ردت العجوز بصوت خافت:" إنني مريضة ولا استطيع إحضار الطعام، كل ما لدي هو بعض الأعشاب من أسفل هذه الشجرة وقليل من الملح في هذا الماء المغلي." قال الدب بحماس:" لا بأس أستطيع أكل أي شيء" وتناول لقمة من الحساء بملعقة خشبية كبيرة. لم يستطع الدب أن يأكل الحساء فأخذ ببصقه والسعال بشدة وقال:"لا أدري كيف تأكلين هذا الطعام أيتها العجوز؟" قالت العجوز:" إن كانت لديك الرغبة فيمكنك أخذ المعول الذي في زاوية البيت وإحضار بعضاً من الخضروات التي زرعتها عندما كنت بصحة جيدة، في حقلي بالقرب من النهر." قال الدب بكسل:" لا بأس أنا الآن متعب سأنام الليلة وربما أذهب غداً صباحاً." لم يستطع الدب أن ينام طوال الليل، فقد كان جائعاً جداً وأخرج من جيبه بعض كسرات من الخبز الجاف التي كان يحتفظ بها وأخذ يأكل منها دون فائدة. في الصباح لم يكن الدب يستطيع أن يحتمل ألم الجوع، فحمل المعول وتوجه نحو الحقل بالقرب من النهر، هناك استخرج بعض البصل من الأرض، وذهب به إلى منزل العجوز. في الطريق جلس على ضفة النهر يأكل بصلاً نيئاً مع كسرات الخبز التي معه فتساقط الفتات في الماء، فتجمع السمك عليه، وبسرعة البرق استخرج الدب بيده سمكة كبيرة من الماء، وأخذها إلى منزل العجوز وهو يكاد يطير من الفرح. أضافت العجوز السمكة المنظفة مع البصل المقطع إلى الماء في القدر ووضعت عليه قليلاً من الملح. عندما أكل الدب الطعام سعر بسعادة كبيرة لدرجة أنه أكل كل ما في القدر ثم نام. عندما استيقظ كان جائعاً للغاية فصار يفتش عن الطعام فتذكر أنه قد أكله كله قبل أن ينام، لقد نام لمدة ثلاثة أيام متواصلة. هذه المرة أحضر بصلاً وبطاطا من الحقل واصطاد سمكتين، فأكلت العجوز وأكل هو كل ما أراد. في المرة الثالثة أحضر جزراً أيضاً، لقد صار الطعام أكثر متعة ولذة كلما بذل مزيداً من الجهد والتعب، وأحضر أنواعاً أخرى من الخضار. اقترب فصل الشتاء والدب يقلع الخضار من الحقل ويصيد السمك من النهر، عندها قالت له العجوز"من الأفضل أن تقلع الخضار جميعه من الحقل، وتصطاد وتجفف بعض السمك لتخزنه لفصل الشتاء." بعد أن انتهى الدب من جمع الخضار وتجفيف السمك الذي اصطاده، قالت العجوز له بأنه حيوان شاب وقوي، وعليه أن يزرع الحقل هذه المرة بنفسه. لم يكن الدب يعرف شيئاً عن الزراعة ولكنه قرر أن يتعلم من العجوز ويجرب نفسه. زرع الدب مساحة كبيرة من الحقل أضعاف أضعاف ما زرعته العجوز، وأنواعاً كثيرة من الخضار، ومساحة كبيرة من القمح والذرة. وعاش الدب والعجوز فصل الشتاء البارد على ما جمعه من طعام، وعندما حصل فصل الصيف كانت الخضار قد نضجت والقمح قد أصبح ذهبياً، وعندما حصده الدب كان لديه كمية كبيرة من الخضار والقمح. "ماذا سنفعل بكل هذه الخضروات والحبوب؟" سأل الدب العجوز متعجباً. ردت العجوز:"نبيعه ونشتري ما يلزمنا من أشياء للعام القادم." عندما باع الدب محصوله في القرية أصبح غنياً، فاقترب منه صديقاه القديمان الثعلب وابن آوى ورحبا به في بيتهما وسألاه إن كان قد وجد كنزاً، فقال لهما:" لقد وجدت أفضل كنز في هذه الحياة وهو العمل. لقد كنت أظن أنكما قد متّا، على كل الأحوال شكراً لكما. أنا سأسكن مع من علمني قيمة العمل وأن أكون دباً غنياً ومحترماً." بنى الدب بيتاً جميلاً له سور خشبي مزين بالورود للعجوز في وسط الغابة، وسكن معها بسعادة حتى جاء اليوم الذي رحلت فيه عن الدنيا وصارت للدب عائلة مكونة من زوجة وأطفال رائعين. محمد مكرم 27/ 5/ 2009م الدمّام محمد مكرم© 2009م