20 نوفمبر، 2024
 الجرذان
الرئيسية »  الجرذان

 الجرذان

“إخس .. تفو عليك يا زمن أيش سوّيت بحاليْ

الناس صارت وتصوّرت وأنا باقي على حاليْ

مسكين وما لي ظهر أيش رايك بهلحالهِ

ما لي سند غير الأحد هو أعلم بحاليْ

أوفْ .. أوفْ .. أوفْ.. يا يابا .. “

” هاه .. ما رأيك بهذا الصوت؟ أليس أفضل من أن نوقظ محمد عبد الوهاب من نومته تحت التراب.. دعه ينام ويرتاح.. صدقني أن الدود أفضل من هذه الجرذان التي لا تشبع ولا تقنع ولا تنام ولا تدعنا ننام، ثم من جهة أخرى نوفّر بطاريات، وبيني وبينك الراديو قديم ويوشّ ..”

” أوف .. أوف .. أوف ..

بعِّد عن الناس تسلم يا أبن خاليْ

لا تقول أمي وأبوي ولا عمي ولا خاليْ

الكل هات هات ما في خذ ولو حبة نخالي

إسمع كلامي تعيش عمرك والبال خاليْ”

” أتسمع هذا الصوت يا ابو العز؟ لا بد أنه صوت الجرذان، وهي تحاول قضم حجارة السد، سأخرج لها.”

” أنت أيتها الجرذان القذرة، اذهبي إلى جحورك المظلمة واهترئي هناك، هذا السد مصنوع من الأسمنت والحديد، لن تفرحي بثقبه كما فعلت بسد مأرب، ثم إنني أنا أبو العز لك بالمرصاد، خذي فردة حذائي القديم هذه في حلقك، لا، أنت لا تستحقينه، خذي هذا الحجر عسى أن يسقط على أسنانك الملعونة فيكسرها إلى الأبد، هاه… خذي…”

” ما رأيك يا ابو العزّ؟”

“ممتاز .. ممتاز.. ولكن إلى متى تكلّم نفسك؟ كم ستشمت بك أمينة لو سمعتك، ستقول أنك مجنون يا أبا العز.”

” أنا مجنون يا ابو العز؟! يعني هي التي أنجبت ستة عشر بطناً عاقلة؟ يا رجل خليها على الله. تشرب شاي؟”

” كم سنة لنا نحرس هذا السد؟ أكثر من عشرين سنة، أليس كذلك يا أبو العز؟ أكيد أكثر من عشرين سنة، وكل ليلة تقضيها على نفس الحال، تشتم الزمان وتطارد الجرذان، وليت الزمان تغير، وليت الجرذان هربت أو قلّت، بل على العكس إنها توشك أن تزاحم مياه هذا السد كثرة.”

” وحياتك والدك لا تعمل لي معلم مدرسة. تشرب شاي؟ أنا سأشرب شاي وأنت ستشرب معي شئت أو أبيت، ثم هنا في هذا المكان المنقطع عن العالم، في هذا الظلام حيث لا حس ولا إنس، ألسنا بعيدين عن أمينة وأولادها الستة عشر، بعيدين عن الأفواه التي لا يشبعها سوى الرمل، والضوضاء التي تشبه ورشة البناء. هنا في هذا السد نحافظ على حياة المدينة ونحرس السد من الجرذان كي لا هدمه كما فعلت بسد مأرب، كما قال لنا الشيخ في خطبة الجمعة، أم أنك لا تذهب إلى صلاة الجمعة؟!”

” اسمعني يا أبو العز، بدل من أن تناديني أبو العز وأنا أناديك أبو العز ونحن في حقيقة الأمر شخص واحد، أنا سأناديك أبو العز وأنت تناديني باسمنا، عبد القادر، ما رأيك؟”

حسناً يا عبد القادر كما كنت أقول لك هذا السد بطوله وعرضه كله لنا، أنا وأنت، أقصد أنا وأنا، لأننا المفروض شخص واحد أليس كذلك؟ هه ..هه..هه..”

” كم الساعة الآن يا أبو العز؟ لا بد أنها الثانية بعد منتصف الليل.”

” نعم يا عبد القادر، حان وقت صيد السمك، هل صندوق البولسترين موجود؟ نعم إنني أراه في زاوية الغرفة، هيّا بنا نصطاد السمك في سدنا العظيم…”

” احذر أين تضع قدمك في هذا الظلام، لا نريد أن نطأ إحدى الجرذان فتعضنا.”

” تعضنا نحن يا عبد القادر؟ نحن جسمنا من نحاس، ولو لم يكن كذلك لأكلتنا منذ سنين. أصمت! ها أنا أرى جرذًا كبيراً يخرج من البئر القديم، سأصوب عليه هذا الحجر .. خذ.. نعم .. عفاريم عليك يا ابوالعز طول عمرك أسد.”

” أحسنت يا أبو العز لقد قتلته، الآن يبقى أن ترجعه إلى البئر القديم كالعادة ليخرج بدلاً عنه مئات الجرذان الأخرى. دعه هنا ودعنا نذهب لنصطاد.”

” لا يا عبد القادر لا نريد أن يتهمنا أحد بقلة النظافة إن جاء أحد الزوار إلى السد ولو من باب المصادفة، سأرميه في البئر القديم كالعادة، وسأجعله عبرة لكل الجرذان. هه.. خلاص.. انتهينا.. هيا بنا إلى الصيد..”

” لماذا تصرّ على الصيد وأنت تعلم أن الحكومة تقول أنّ قواقع البلهارسيا تلوث سمك السد، حتى زوجتك أمينة تعرف ذلك؟”

” أسمع يا عبد القادر سأقول لك كما قلت لأمينة عندما قالت لي ما قلته الآن وأنها لن تطعم السمك للأولاد، يجب أن تخافنا البلهارسيا لا أن نخافها، لو كانت البلهارسيا طعاماً لأكله أولادك ولطالبوا بعدها بالمزيد، جراد، إنهم جراد بهيئة بشر، خصوصاً الصغار منهم إنهم لا يعرفون الشبع.. أتمنى أن يصبحوا جرذاناً ذات يوم.. جرذاناً كبيرة منتفخة تأكل حتى الحجارة، فالمثل يقول إن لم تكن جرذاً أكلتك الجرذان.”

” حسبتك تكره جرذان المدينة أكثر من جرذان هذا السد، فجرذان المدينة تتغذى على البشر، تتغذى على لحومهم وتشرب دماءهم، تلتهم حاضرهم ومستقبلهم، كما التهمت ماضيهم، تخطف اللقمة من يد الصغير وتبصق في وجه الكبير، وخلافاً لجرذان هذا السد التي تسعى لهدمه، فإنها تشيد العمارات والقصور، بعد أن تخرب بيوت الآخرين، إنها جرذان كبيرة تنظر إليك من فوق، تتحدّاك بقوة القانون.”

” هيا بنا يا عبد القادر، لنذهب إلى المنطقة العليا من السد، لم نذهب إليها منذ أيام عديدة، لعل السمك قد تجمع فيها، هيّا بنا..”

أوف .. أوف .. أوف..

الناس في العسل نايمة ما بتسأل بالطوفانْ

تاركة الحبل على الغارب لملّة الجرذانْ

بكرة بتصيحوا المدد أصحوا يا أخوانْ

السد صامد لكن لحين أخرته رح ينهانْ

” أمش يا أبو العز .. أمش دعنا من الناس ومن الجرذان، لنصطد شيئاً خير من كل هذا القلق الذي بلا نتيجة.”

” صه يا عبد القادر صه.. هل تسمع شيئاً، إنني أسمع أصواتاً، أصواتاً لم أسمعها من قبل، أنصت .. :انه صوت طفل يبكي.”

” لا بد أنك تتوهم يا أبو العز لا يوجد هاهنا على هذا السد غيرنا نحن والجرذان، أنظر ها هي مجموعة من الجرذان تتجه إلى مصدر الصوت، هيا بنا.. لقد صرت اسمعه بوضوح.. أنظر هي الجرذان تتجمع على شيء ما..”

” هش أنت أيتها الجرذان اللعينة ابتعدي .. ابتعدي .. هناك شيء أبيض يا عبد القادر، سأرميهم بحجر، خذي أيتها الجرذان ..”

” أنظر يا أبو العز، إنه طفل رضيع .. طفل رضيع.. آه يا إلهي أنظر إلى أنفه، لقد قضمته الجرذان والديدان تغطيه، صوت بكائه يقطع قلبي.”

” الله أكبر! من المجرم الذي ترك هذا الرضيع لتأكله الجرذان والديدان في هذا المكان الموحش؟! الله أكبـــــــــر .. اللـــه أكبـــــر .. يا نـــاس، أليس في قلوبكم رحمة؟ أين الرحمة يا ناس؟ هل تحولتم أنتم أيضاً إلى جرذان؟! إخس تفوووو علينا .. إخس تفووووو علينا .. نحن لا نستحق الحياة .. نحن عار على هذه الدنيا .. السد انهار يا ناس.. السد انهار يا ناس.. السد انهار يا ناس.. أدركوا أنفسكم .. الجرذان هدمت السد .. الطوفان قادم يا ناس أنقذوا أنفسكم..”

Share:FacebookX
Join the discussion