20 نوفمبر، 2024
فائز الحصان الهزّاز
الرئيسية » فائز الحصان الهزّاز

فائز الحصان الهزّاز

كان هناك أمراء جميلة ابتدأت بكل المميزات ، ومع هذا لم يكن لها حظ . تزوجت عن حب فتحوّل الحب إلى رماد ، ولد لها أطفال جميلون ومع هذا شعرت بأنهم عبء مفروض عليها ، فلم تستطع أن تحبهم .كانوا ينظرون إليها ببرود كأنهم يحاولون التعرف على عيوبها ، وبسرعة شعرت بأنها عليها أن تستر أخطاءً فيها ، ومع هذا لم تكن أبداً تعرف ما الذي يجب أن تستره ، على أية حال عندما يكون أطفالها موجودين كانت تشعر بأن سويداء قلبها قد قست . أزعجها هذا كثيراً ، كانت في سلوكها رقيقة جداً ومهتمة بأطفالها ، كانت تحبهم جداً ، هي وحدها كانت تعلم أن في صميم قلبها مكان لم يشعر أبداً مطلقاً بالحب لأي إنسان . كل الآخرين كانوا يقولون عنها:” إنها أم ممتازة ، وهي تعبد أطفالها ” هي فقط وأطفالها عرفوا أن الأمر لم يكن كذلك ، لقد قرؤوه في أعين بعضهم البعض .

كان هناك ولد وبنتان صغيرتان ، كانوا يسكنون في بيت جميل بحديقة لديهم خدم مميّزون ، وشعروا بأنهم أرقى من جيرانهم .

ومع أنهم كانوا يعيشون حياة راقية كانوا يشعرون دائماً بالتوتر في البيت .لم يكن هناك أبداً المال الكافي كان للأم دخل صغير وللأب دخل صغير ، وبالكاد يكفي للمركز الاجتماعي الذي يجب أن يحافظوا عليه ، الوالد يذهب إلى البلدة إلى مكتب ما ، ومع أن أمامه فرص جيدة إلا أن أي منها لم يتحقق . كان هناك دائماً هذا الشعور المتذمر من قلة المال ، رغم ذلك يتم دائماً المحافظة على المستوى .

وأخيراً قالت الوالدة :” سأرى إن لم أكن قادرة حقاً على فعل شيء ما ” لكنها لم تكن تعرف من أين تبدأ ، شغّلت دماغها ، حاولت شيئاً ما ، ثم شيئاً آخر ، لكنها لم تكن لتجد شيئاً ناجحاً . الفشل جعل خطوطاً عميقة تظهر في وجهها ، أطفالها كانوا يكبرون وسيدخلون المدرسة . يجب أن يكون هناك المزيد من المال . الوالد والذي كان يبدو دائماً أنيقاً وذو ذوق مكلف ، لم يكن قادراً فيما يظهر على عمل شيء يستحق العمل . والأم التي كان لديها إيمان عميق بنفسها لم تنجح بعمل شيء أفضل ، كما أن ذوقها كان بنفس القدر من التكلفة .

وهكذا صار البيت مسكوناً بعبارة لا تقال :” يجب أن يكون هناك المزيد من المال ! يجب أن يكون هناك المزيد من المال ! ” كان الأطفال يسمعونها دائماً رغم أن أحداً لم يقلها بصوت مسموع . سمعوها في عيد الميلاد عندما ملأت الهدايا قاعة الأطفال ، خلف الحصان الخشبي العصري اللامع الهزاز ،وراء بيت الدمية الجميل ، صوت يبدأ بالهمس :” يجب أن يكون هناك المزيد من المال ! يجب أن يكون هناك المزيد من المال ! يجب أن يكون هناك المزيد من المال ! ” فيتوقف الأطفال عن اللعب لينصتوا هنيهة ، يحملقون في أعين بعضهم البعض ليتأكدوا إن كانوا قد سمعوه جميعاً ، فيبصر كل واحد منهم في أعين الأخرين أنهما قد سمعاه أيضاً . ” يجب أن يكون هناك المزيد من المال ! يجب أن يكون هناك المزيد من المال ! “

كان يصدر هامساً من أصوات نوابض الحصان الهزّاز دائم الهز وحتى الحصان برأسه الخشبي المنحني الماضغ سمعها . الدمية الكبيرة الزهريّة جداً والمبتسمة جداً في عربتها الجديدة كان باستطاعتها سماعها بكل وضوح ، وبدت مبتسمة بشكل أكبر لدى سماعها . الجرو الأبكم أيضاً والذي بدا  كدب أليف كان ينظر ببلاهة غريبة ليس لشيء غير أنه سمع الهمس السري في أرجاء المنزل :” يجب أن يكون هناك المزيد من المال ! ” .

ورغم هذا فإن أحداً لم يقلها بصوت مرتفع . الهمس كان في كل مكان لذا فإن أحداً لم يقله . تماماً كما أن أحداً لا يقول أننا نتنفس بالرغم أن النفس يدخل ويخرج كل الوقت .

” أماه ” قال الصبي بول يوماً ” لماذا لا نقتني سيارة خاصة بنا ؟ لماذا نستعمل سيارة عمي أو سيارة أجرة ؟ “

” لأننا الأفراد الفقيرون في العائلة ” قالت الأم .

” لكن لماذا نحن كذا ؟ “

” حسنٌ . . ، أعتقد . . ” قالت الأم ببطأ ومرارة ” لأن والدك ليس له حظ “

صمت الولد لبعض الوقت

” وهل الحظ هو المال يا أماه ؟ ” سأل الولد بسماجة .

” إنه ما يسبب لك الحصول على المال . إذا كنت محظوظاً فإنك تملك المال . لهذا فإنه من الأفضل أن تولد محظوظاً من أن تولد غنياً . إذا كنت غنياً فإنك قد تخسر مالك ، ولكنك إن كنت محظوظاً فإنك ستحصل دائماً على المزيد من المال .”

” حقاً ! سأحصل ؟ هل أبي غير محظوظ ؟ “

” علي القول أنه غير محظوظ أبداً “

” لماذا ؟ ” سأل

” لا أدري . لا أحد يمكن أن يعرف أبداً لماذا شخص ما محظوظ والآخر غير محظوظ “

” لا يعرفون ؟ لا احد أبداً ؟ لا أحد يعرف ؟ “

” ربما الإله ، لكنه لا يخبر بذلك أبداً “

” يجب عليه أن يفعل وأنت لست محظوظة يا أماه ؟ “

” لا يمكن أن أكون بما أنني تزوجت رجلاً غير محظوظ “

” لكن وحدك ، هل أنت كذلك ؟ “

” كنت أعتقد بهذا قبل أن أتزوج ، أمّا الآن فإنني أعتقد بأنني غير محظوظة أبداً “

” لماذا ؟”

” حسن . . لا تهتم . ربما أنني في الحقيقة لست كذلك ” قالت

نظر الطفل إليها ليرى إن كانت تعني ما تقول ، لكنه لاحظ من خطوط فمها بأنها كانت تحاول فقط إخفاء شيء ما عنه .

” حسن على أية حال ” قال بتصميم ” أنا شخص محظوظ .”

” لماذا ؟ ” قالت والدته بضحكة مفاجئة .

حدق بها ولم يدري لماذا قال ذلك .

” الإله أخبرني بذلك .” قال مؤكداً بشجاعة .

” أرجو أن يكون قد فعل يا عزيزي ” قالت ضاحكة مرة أخرى لكن بمرارة .

” لقد فعل يا أماه ! “

” ممتاز ” قالت الأم مستخدمة واحد من تعبيرات زوجها .

أدرك الولد أنها لم تصدقه ، أو على الأرجح لم تلق لتأكيده بالاً ، الشيء الذي أغضبه وجعله يريد أن يأسر انتباهها .

ذهب وحده مبتعداً بطريقته الطفولة يفتّش بغموض عن دليل على حظه مستغرق غير مهتم بمن حوله من الناس راح بتسلل باحثاً في داخله عن الحظ . لقد أراد الحظ أراده أراده . وعندما تلعب الطفلتان بدماهما في قاعة الأطفال كان هو يجلس على حصانه الهزاز الكبير ، متقدماً بجنون في الفضاء بسورة جعلت الطفلتين تنظران إليه بغير ارتياح أسرع الحصان بعنف وتحرك شعر الولد الداكن المهتز بسرعة ، عيناه احتوتا على لمعان غريب فيهما . لم تجرأ البنتان الصغيرتان على الكلام معه .

وعندما ينتهي من رحلته الجنونية الصغيرة يترجل نازلاً عن حصانه ليقف أمامه محدقاً بثبات برأسه المنخفض ، فمه الأحمر مفتوح قليلاً ، وعيناه الكبيرتان تلمعان كالزجاج .

” الآن ” يأمر حصانه اللاهث بصمت ” خذني حيث يوجد الحظ ، الآن خذني ! “

ويضرب حصانه على رقبته بسوط صغير كان قد طلبه من خاله أوسكار . لقد علم أن حصانه سيأخذه حيث يوجد الحظ فقط لو أنه يرغمه قليلاً .لذا فإنه يمتطيه ثانية ليبدأ رحلته الغاضبة ، آملاً أن يصل إلى مبتغاه في النهاية . لقد علم بأنه سيصل إلى هناك .

” ستكسر حصانك يا بول ” علقت حاضنته .

” إنه دائماُ يركب هكذا أتمنى أن يتركه ! ” قالت أخته الكبيرة ” جوان ” .

لكنه حدّق بها في صمت وحسب . يأست حاضنته منه ولم تتمكن من أن تفعل شيئاً له ، على أية حال لقد شب عن طوقها .

وفي يوم ما دخلت أمه وخاله أوسكار وهو مستغرق في إحدى رحلاته الغاضبة فلم يتكلم إليهما .

” مرحباً أيها الفارس الصغير ! هل تركب رابحاً ؟ ” قال خاله .

” ألست كبيراً على الحصان الهزاز ؟ لم تعد ولداً صغيراً كما تعلم ” قالت والدته ، لكن بول حدق بهما بنظرة زرقاء من عينيه الكبيرتين المشقوقتين . لم يكن ليتحدث إلى أحد وهو في استغراقه التام . راقبته أمه وعلى وجهها نظرة متوترة .

وأخيراً توقف عن ارغام حصانه على عدوه الآلي ثم نزل عنه.

“-” هل حسناً ، لقد وصلت إلى هنالك أخيراً ” أعلن بحدة وعيناه الزرقاوان ما زالتا تشعان وساقاه القويتان الطويلتان منفرجتان.

Share:FacebookX
Join the discussion