عربة التسوق

المجموع الفرعي $0.00

عرض العربةتسجيل الخروج

Magazines cover a wide array subjects, including but not limited to fashion, lifestyle, health, politics, business, Entertainment, sports, science,

المقالات
Email :9

هل تبرّر جريمة ما ارتكاب جريمة أخرى؟ يبدو أن المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون ذلك. ففي كل مرة يُنتقدون فيها على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية — من خلال محو أحياء فلسطينية كاملة عن الخارطة، وقصف المستشفيات والمدارس ودور العبادة، واستهداف سيارات الإسعاف، ومحطات التلفزة، وشبكات الكهرباء والمياه، والطرق والجسور — يكون ردهم ببساطة: “لماذا تهاجموننا دائمًا؟ لماذا لا تتحدثون عمّا يحدث في سوريا؟”

في الواقع، قد تبدو مقارنة جيدة، رغم أن الوضع في سوريا يتمثل في نظام يقتل شعبه، بينما في فلسطين، هو نظام استيطاني استعماري يقتل السكان الأصليين. ومع ذلك، فإن كلا النظامين يقتلان المدنيين دون تمييز، ويمجّدان القتلة ويشوّهون صورة الضحايا.

لكن السوريين، على الأقل، أكثر صدقًا مع أنفسهم من الإسرائيليين. فالنظام السوري لا يدّعي أنه “الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط، أو أنه حصن الحضارة الأوروبية في محيط عدائي. أما إسرائيل، فتتباهى بأنها “شعب الله المختار”، وأن لديها مهمة إلهية لتطهير أرض فلسطين من سكانها الأصليين من أجل إنشاء “وطن لليهود”. ووفقًا لهذا المنطق، ينبغي للفلسطينيين أن يشعروا بالامتنان لهم!

الصمت ليس كافيًا… بل الشكر مطلوب!

الإسرائيليون لا يريدون فقط ترخيصًا بقتل الفلسطينيين دون مساءلة، بل يريدون منهم أيضًا أن يصمتوا أثناء قتلهم، ويفضل أن يكونوا ممتنين لذلك. لقد صنعت الصهيونية، ومن ثم الدولة الإسرائيلية، رواية تبرّر احتلال فلسطين وتطهيرها عرقيًا من شعبها. وقد تمكّنت إسرائيل ولوبياتها النافذة في الغرب من إقناع المنظمات الدولية بتجاهل انتهاكاتها للقانون الدولي، بل وشرعنة إجرامها. وبفضل إعلام متواطئ، وشراء النفوذ السياسي، خاصة في الكونغرس الأمريكي، أصبح كثيرون يعتقدون أن الفلسطينيين هم من يحاولون الاستيلاء على “أرض إسرائيل”، وكأن وضع “الضحية” حكر على اليهود فقط.

وسائل التواصل كسرت الحصار الإعلامي

مع بروز وسائل التواصل الاجتماعي، فُتحت نافذة أمل لكل من عانوا من هيمنة الرواية الصهيونية في الإعلام التقليدي. انتهز الفلسطينيون وداعموهم الفرصة لإيصال صوت من لا صوت له، ولأول مرة منذ عقود، بات صوت الضحايا الحقيقي يُسمع في العالم، وأصبح الناس في أوروبا وغيرها يرون الحقيقة بأعينهم.

وهكذا بدأ الرأي العام العالمي يتغيّر تدريجيًا لصالح الفلسطينيين. إذ أصبح المزيد من الصحفيين، والبرلمانيين، والنشطاء من كل الأديان والخلفيات، بمن فيهم يهود، يرفعون صوتهم دعمًا لفلسطين وتنديدًا بالاحتلال. أما إسرائيل، فتسعى بكل جهد إلى تهميش هذه الأصوات وتجريمها، بل وقد أقنعت بعض الحكومات الغربية بربط دعم فلسطين بمعاداة السامية، وهو أمر مرفوض ومثير للسخرية.

الحرب على من يكشف الحقيقة

لكن المعركة الأساسية التي تخوضها إسرائيل ليست مع الحكومات أو الإعلاميين التقليديين، بل مع من يكشف زيف روايتها الاستعمارية: الصحفيون، والنشطاء، وكل من ينقل الفظائع الإسرائيلية من أرض الواقع. وهؤلاء باتوا هدفًا مباشرًا للاغتيال أو الاعتقال أو التهديد.

كما قال صحفيون فلسطينيون أمام البرلمان البريطاني: “نريدكم أن تروا واقعنا بأعينكم.”

والأرقام لا تكذب: منذ عام 2000، قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 39 صحفيًا في غزة والضفة الغربية، 16 منهم في الأشهر الأربعة الماضية فقط. كما اعتدت القوات الإسرائيلية جسديًا على 64 صحفيًا، ضمن 186 انتهاكًا بحق الإعلاميين في النصف الأول من هذا العام؛ و30 صحفيًا تم اعتقالهم. ومنذ 2008، قصفت إسرائيل حوالي 50 منشأة إعلامية في غزة. وفي عام 2017 وحده، ارتكبت القوات الإسرائيلية أكثر من 2,100 انتهاك ضد الصحفيين، شملت اعتقالات جماعية خلال الاحتجاجات.

حتى فيسبوك ليس بمنأى عن السيطرة الإسرائيلية

تتعدى الهيمنة الإسرائيلية الإعلام التقليدي إلى وسائل التواصل، وخصوصًا فيسبوك. فقد تم اعتقال العديد من النشطاء الفلسطينيين لمجرد تعبيرهم عن آرائهم ضد الاحتلال على صفحاتهم الشخصية. بل إن منشورات داعمة لفلسطين يتم حذفها أو حظرها من قِبل إدارة فيسبوك، بينما تبقى المنشورات المؤيدة لإسرائيل، حتى إن كانت تحرّض على العنف ضد الفلسطينيين، دون مساءلة.

القلق الأكبر في إسرائيل هو من توثيق جرائم جنودها والمستوطنين غير الشرعيين ونشرها على الإنترنت. كما حدث مع عبد الفتاح الشريف، الذي أُطلق عليه الرصاص في رأسه وهو جريح ومُلقى على الأرض. ورغم أن الجندي الإسرائيلي إلور عزريا أُدين بالقتل غير العمد، إلا أن الحكم عليه لم يتجاوز تسعة أشهر فقط، وهو أقل بكثير من الأحكام التي تُفرض على الشباب الفلسطيني لمجرد منشورات على فيسبوك. بل إن عزريا حظي بدعم من كبار السياسيين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء.

تشريع يُجرّم توثيق الجرائم

وفي محاولة لتقليل الضرر الإعلامي، سنّت إسرائيل قانونًا يُجرّم تصوير أو تسجيل أفراد الأمن أثناء ارتكابهم لجرائمهم. ومن ينشر مثل هذه المقاطع، حتى عبر وسائل التواصل، قد يُحكم عليه بالسجن حتى خمس سنوات. ووفقًا لصحيفة هآرتس، فإن هذا القانون يضرب مؤسسات حقوق الإنسان، لا الجنود المجرمين.

من يقول الحقيقة… يُعتقل

تقتل إسرائيل شهود جرائمها أو تُقصيهم عن المشهد، فقط لأنها لا تريد للعالم أن يرى ما ترتكبه. هذا الأسبوع، اعتُقلت الصحفية الفلسطينية لما خاطر من منزلها في الخليل خلال مداهمة ليلية. الصور التي وثّقت لحظات وداعها لأطفالها كانت مؤلمة. من المرجّح أن تواجه حكمًا بالسجن، لا لأنها ارتكبت جريمة، بل لأنها صحفية أدّت واجبها، ووثّقت ونددت بجرائم الاحتلال الإسرائيلي.

الدولة الصهيونية ليست كيانًا “طبيعيًا” في الشرق الأوسط؛ بل مشروع استعماري عنيف يخشى الحقيقة، ويخاف من الكاميرا أكثر من الرصاصة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تحمل علامة *

Related Posts