يوافق هذا العام الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطيني، حين طُرد من وطنه على يد الحركة الصهيونية التي أقامت دولة الاحتلال الإسرائيلي على أرض أجدادنا. ومنذ ذلك الحين، لم يذق الفلسطينيون سوى التهجير والعدوان والظلم المتواصل من قبل إسرائيل. ومنذ 30 مارس، بدأ الفلسطينيون في قطاع غزة مسيرات العودة الكبرى، وهي احتجاجات سلمية تطالب بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، وقد قُتل خلالها أكثر من 130 فلسطينيًا برصاص قناصة الاحتلال، بينهم نساء وأطفال، وأُصيب نحو 15,000 آخرين، بينما اكتفى المجتمع الدولي بالصمت، في حين انحاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل سافر إلى جانب المعتدين.
لطالما استغلت إسرائيل خطابًا دينيًا لتلميع صورتها في الغرب وكسب دعمه لاستكمال مشروعها الاستعماري في فلسطين، وكان دعم ترامب العلني لهذا المشروع أبرز دليل على ذلك. زعماء صهاينة مثل مناحيم بيغن ويتسحاق شامير، رغم خلفيتهم الإرهابية، أصبحوا رؤساء وزراء لإسرائيل. فقد قاد بيغن منظمة “إرغون” الإرهابية، بينما ترأس شامير “ليحي”، وكلتاهما مسؤولتان عن مجازر وتفجيرات طالت الفلسطينيين والإنجليز، أشهرها تفجير فندق الملك داوود عام 1946. ومع ذلك، يُغضّ الطرف عن هذا التاريخ الدموي في بريطانيا وأمريكا، اللتين تعتبران إسرائيل حليفًا استراتيجيًا، رغم استهدافها للسفينة الحربية الأمريكية “يو إس إس ليبرتي” عام 1967، في هجوم أسفر عن مقتل 34 بحارًا أمريكيًا.
إفشال صفقة القرن ممكن
رغم أن القانون الدولي يكفل للشعب الفلسطيني حق مقاومة الاحتلال وحق العودة، فإن المقاومة تُصوّر في الإعلام الغربي على أنها إرهاب، وتُدرج حركاتها ضمن قوائم “المنظمات الإرهابية”، كما فعلت الولايات المتحدة مع حركة حماس، رغم أنها لم تقم بأي عمل خارج فلسطين. على النقيض، تُرتكب جرائم إسرائيلية مروعة بحق المدنيين في غزة والضفة، دون أي مساءلة، وتمتد اغتيالاتها لتطال علماء ونشطاء فلسطينيين في بلدان عدة، مثل اغتيال فادي البطش في ماليزيا، ومحمد الزواري في تونس، ومحمد المبحوح في دبي، ومحاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن، في خرق صارخ لسيادة دول متعددة، بما فيها الحليفة.
إسرائيل تُعامل كدولة فوق القانون، تقتل وتغتال وتخرق المواثيق الدولية دون حساب، ثم تروج لنفسها كقوة لمكافحة “الإرهاب”، وتصدر هذا “المنتج الأمني” إلى الأسواق العالمية، بينما تُدمّر تطلعات الشعب الفلسطيني باسم “الدفاع عن النفس”. هذا السلوك الإسرائيلي يُشكل تهديدًا مباشرًا للسلام والاستقرار العالميين.
الإرهاب “الإسلامي” صناعة أمريكية وإسرائيلية
يروج الاحتلال وحلفاؤه لفكرة “الإرهاب الإسلامي”، بينما تغضّ أمريكا الطرف عن تورطها في خلق جماعات متطرفة لتحقيق أجنداتها في العراق وسوريا. أما المقاومة الفلسطينية، فهي موجهة حصريًا ضد الاحتلال، ولم تتدخل في شؤون أي دولة. حماس مثلًا غادرت سوريا عند اندلاع الثورة هناك، ورفضت دعم نظام الأسد ضد شعبه. ورغم تفضيلها للحلول السلمية، فإنها تحتفظ بحقها المشروع في الدفاع عن شعبها.
الصفقة تنهار… والشعب ينتصر
ترامب، الذي يُعدّ من أكثر الرؤساء الأمريكيين تطرفًا، تجاوز حتى نتنياهو في سياساته الداعمة للاحتلال، فاعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، متحديًا قرارات الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن “صفقة القرن” فشلت في الحصول على أي دعم فلسطيني، في وقت بدأت فيه الشعوب تتحرر من قبضة الإعلام المضلل بفضل وسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل الجرائم لحظة بلحظة.
صفقة ترامب، التي أراد لها أن تكون “صفقة القرن”، تتحول تدريجيًا إلى “فشل القرن”، وسيُذكر في التاريخ إلى جانب الصهاينة والدكتاتوريين العرب كأحد أبرز من ساند الظلم وسعى لتصفية قضية عادلة. أما الشعب الفلسطيني، فسيبقى عنوانًا للصمود والكرامة، وأبطاله سيُخلّدهم التاريخ، لأن الأبطال لا يموتون.