عربة التسوق

المجموع الفرعي $0.00

عرض العربةتسجيل الخروج

Magazines cover a wide array subjects, including but not limited to fashion, lifestyle, health, politics, business, Entertainment, sports, science,

المقالات
Email :14
إذا كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يُشبَّه بالملك قورش، فإن بنيامين نتنياهو هو النبي الذي يسعى لإنقاذ “الإسرائيليين الجدد” في بيئة معادية.
رسالته تقوم على صبّ نظريات صدام الحضارات التي طرحها برنارد لويس وصموئيل هنتنغتون في قالب ديني صِرف؛ فالمعركة، كما يراها، هي ضد “الشر” المتجسِّد في الإسلام — وليس الإسلام “المعتدل”، بل ذاك القادر على الرد والمقاومة.
وأشكّ في أن لويس وهنتنغتون كانا ليتقبلا إلى أين أوصل نتنياهو أفكارهما!
كلمة رئيس وزراء الاحتلال خلال مؤتمر “إيباك” (AIPAC) لعام 2018 تعكس بوضوح طريقة تفكيره، والوجهة التي يريد أن يأخذ العالم إليها.
بدأ نتنياهو خطابه بشكر ترامب على دعمه لإسرائيل، خصوصًا على اعترافه بالقدس المحتلة عاصمةً “أبدية” لها، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى المدينة المقدسة، متحديًا بذلك القانون الدولي.
لكن كلمات نتنياهو لم تكن تعبيرًا عن امتنان بقدر ما كانت محاولة لإقحام ترامب في مستنقع صراع تاريخي معقّد.
فالتحالف الأمريكي–الإسرائيلي، في نظره، ليس تحالفًا عابرًا، بل “رابطة أبدية لا يمكن كسرها”، كما قال.
رسالته واضحة: لا يمكنكم تركنا وحدنا، لأننا نتشارك في المسؤولية، كما في العواقب، سواء في قتل الفلسطينيين أو في احتلال المدينة المقدسة وأرض العدو الوجودي: الإسلام.
لم يقتصر شكره على ترامب فقط، بل شمل كامل النخبة الحاكمة في أمريكا، من الجمهوريين والديمقراطيين على حدّ سواء.
فحتى لو رحل ترامب، فإن أمريكا كلّها، في نظر نتنياهو، تبقى مسؤولة أمام العالم، ولا يمكنها التخلّي عن “إسرائيل” أو تركها تواجه “الشر” بمفردها.
بمعنى آخر، كما يكرّر نتنياهو: “لن تتخلّوا عنا، فنحن ننهض ونسقط معًا“.
ومع وجود زعيمين يمينيين على رأس كل من إسرائيل وأمريكا، لم تعد العلاقات بين البلدين قائمة على مصالح مشتركة، بل على إيمان مشترك، يجمع بين الصهيونية المسيحية واليهودية، بعد قرون من العداء بين المسيحيين واليهود.
يقول نتنياهو إن هذا التحالف نابع من “كتابٍ ما، عظيم، صالح… يُدعى الكتاب المقدس“.
ومن المفارقات الساخرة أن هذا الكتاب نفسه استُخدم عبر قرون لتبرير اضطهاد اليهود وشيطنتهم من قِبَل المسيحيين.
أكثر خطابه كان محشوًا بالإشارات الدينية والرموز التوراتية، في محاولة للتواصل مع جمهوره اليميني المتدين، لكنها لم تخلُ من التناقضات.
على سبيل المثال، أشار إلى النبي “عاموس”، المعروف بأنه نبي الخراب الذي تنبّأ بسقوط يهوذا والسامرة، في حين أن نتنياهو حاول إقناع الجميع بعظمة إسرائيل وقوتها!
وفي إشارة أخرى إلى سفر التكوين: “خلقنا جميعًا على صورة الله”، ادّعى أن هناك مساواة بين البشر؛ لكن هذه “المساواة” لا تشمل غير اليهود، وخاصة الفلسطينيين.
استخدم عبارة “ملكنا داوود” عند حديثه عن حكمه على يهوذا والسامرة، أي الضفة الغربية حاليًا، مستخدمًا كلمة “نا” بصيغة الملكية لتشمل اليهود والمسيحيين الصهاينة معًا.
وهنا يتضح الغموض المتعمّد في خطابه، إذ يُراد من وراء هذه اللغة تعزيز الانتماء العاطفي للمسيحيين الصهاينة تجاه شخصيات العهد القديم، التي يتبناها الإسرائيليون كمبرر ديني للسيطرة على فلسطين.
فالصهيونية، رغم أنها أيديولوجيا أنشأها ملحدون علمانيون، تستعين الآن بالنصوص الدينية لتبرير الاحتلال.
بلغ الحماس التوراتي بنتنياهو حد استدعاء سفر أستير لتأليب أمريكا ضد إيران، مُذكّرًا جمهوره في “إيباك” بمحاولة “الفرس” — حسب زعمه — إبادة اليهود قديمًا.
وقال: “لقد فشلوا حينها، وسيفشلون الآن”.
وهذا في الوقت الذي كان فيه مارتن لوثر نفسه، مؤسس البروتستانتية، يعتبر سفر أستير “مفرطًا في يهوديته” و”مليئًا بالتحريف الوثني”!
لكن يبدو أن أحفاد لوثر من الإنجيليين الأمريكيين تجاهلوا هذا التحفّظ، وأصبحوا اليوم أكثر حلفاء نتنياهو صهيونية في حربه العقائدية.
خلاصة خطاب نتنياهو كانت أن الإسرائيليين والأمريكيين “مستوحَون من نفس الفكرة” و”يتحرّكون بنفس القيم”، وهو ما يدعم “الرابطة الأبدية التي لا تنفصم”.
ورغم أنه حريص على أن يبدو كـ”زعيم عصري ناجح”، إلا أن أيديولوجيته ولغته تسقطه في وحلٍ تاريخي وأسطوري.
بخطابه المليء بالأساطير الدينية والنظرة العصور وسطية، يُشبه نتنياهو أوربان الثاني، البابا الذي دعا إلى “حرب مقدسة” لاستعادة “الأرض المقدسة” في الحروب الصليبية، والتي انتهت باحتلال القدس عام 1099، وتدمير أراضي حلفائه من الإمبراطورية البيزنطية.
في الواقع، كلمات نتنياهو هي نسخة حديثة من خطبة أوربان الثاني في مجمع كليرمون، حين دعا الناس إلى شنّ “حرب عادلة” من أجل “تحرير القدس”.
تعبيراته، وتعميماته، وتاريخه المزيّف المصنوع على مقاسه، ونداءاته المروّعة من قبيل: “يجب أن نوقف إيران، وسنوقف إيران!”، كلها تشير إلى عقلية دينية جامدة، منفصلة عن الواقع، أقرب إلى الخيال العقائدي.
ولو كان نتنياهو زعيمًا مسلمًا، لكان سُخر منه واعتُبر رجعيًا يعيش في القرون الوسطى!
في حين كان نتنياهو يُلقي الخُطب الحماسية، كانت المتحدثة إيستر كورز أكثر وضوحًا في تحديد أجندة اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، بقولها:
“تركّز أجندة الضغط الخاصة بـAIPAC هذا العام على ثلاث قضايا أساسية:
  1. تقديم المساعدات الأمنية الضرورية لإسرائيل،
  2. مواجهة العدوان الإقليمي الإيراني وطموحاته النووية،
  3. معارضة حملات المقاطعة التي تستهدف إسرائيل، والتي تُهدد أيضًا الشركات الأمريكية”.
الصهاينة يعتبرون أنفسهم في مهمة مقدّسة وأخلاقية.
يدينون حركة المقاطعة (BDS) دون حتى التفكير في أسبابها، كـالاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية.
فبالنسبة لهم، هي حرب مفتوحة: “من يُقاطع إسرائيل، سنقاطعهم”.
أما من يُهزَم ويتعاون مع الصهاينة، فهو من يُمنح “سلام إسرائيل”.
أما من يرفض ويقاوم، فهو ببساطة “إرهابي يقتل اليهود ليغتني”.
لغة بهذا القدر من التحريض والانقسام لا مكان لها في عالمٍ يسعى للسلام والعدالة، وهي لغة لم يُقدّم منها نتنياهو شيئًا إيجابيًا خلال ظهوره في مؤتمر AIPAC.
المصدر: Middle East Monitor

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة تحمل علامة *

Related Posts