في مشهد وُصف بأنه تحوّل تاريخي في مسار العلاقات الآسيوية، اجتمع الرئيس الصيني Xi Jinping ورئيس الوزراء الهندي Narendra Modi على هامش قمة Shanghai Organization للتعاون في مدينة تيانجين الصينية الساحلية.
اللقاء الذي يُعد الأول من نوعه منذ اشتباكات الحدود الدامية عام 2020، حمل رسالة واضحة مفادها أن البلدين مستعدان لفتح صفحة جديدة، حيث تعهد الزعيمان بإدارة الخلافات الحدودية، وتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي والتنموي.
وعُقد الاجتماع الثنائي بعد 5 أيام من فرض واشنطن رسوما جمركية بنسبة 50% على البضائع الهندية، وقال خلاله مودي “إن أجواء من السلام والاستقرار نشأت على الحدود المتنازع عليها في منطقة جبال الهيمالايا بين بلاده والصين، وإنه تم التوصل إلى اتفاق بين البلدين فيما يتعلق بإدارة الحدود”.
خريطة للحدود المشتركة بين الهند والصين (الجزيرة)
من وادي غالوان إلى محاولات الترميم
لم يغب عن اللقاء في تيانجين ثقل الذاكرة الدامية لاشتباكات وادي غالوان في يونيو/حزيران 2020، التي أودت بحياة 20 جنديا هنديا وأحدثت شرخا عميقا في العلاقة بين العملاقين الآسيويين.
منذ ذلك الحين، دخلت العلاقات في مرحلة من القطيعة السياسية والتوتر العسكري، فرضت خلالها نيودلهي قيودا صارمة على التطبيقات والشركات الصينية، وعلّقت استثمارات بمليارات الدولارات، فيما عززت بكين وجودها العسكري في مناطق النزاع على طول “خط السيطرة الفعلية” في جبال الهيمالايا.
وعلى مدار 3 سنوات، تعاقبت جولات التفاوض العسكرية والدبلوماسية دون تحقيق اختراق يُذكر، حتى جاء لقاء كازان على هامش قمة بريكس في 2024، حيث عقد الزعيمان اجتماعا في روسيا بعد التوصل إلى اتفاق لتسيير دوريات على الحدود.
وقال مودي حينها “إن الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين -التي تم تعليقها منذ عام 2020- يجري العمل على استئنافها”، دون تحديد إطار زمني، كما اتفق شي ومودي على تكليف ممثلين خاصين بإعداد ترتيبات لإدارة الحدود، وهو ما أعاد فتح القنوات السياسية ومهّد الطريق للقاء تيانجين الحالي.
خلفية تاريخية
بدأت العلاقة بين الهند والصين عقب استقلال نيودلهي وتأسيس جمهورية الصين الشعبية بشكل جيد، بسبب الخلفيات اليسارية المشتركة لكل من مؤسس الجمهورية الصينية ماو تسي تونغ، وأول رئيس وزراء للهند Jawaharlal Nehru، اللذين اعتبرا نفسيهما أبطالا ضد الاستعمار.
لكن هذا الوئام لم يدم طويلا، ففي مطلع ستينيات القرن الماضي انفجر الخلاف الحدودي بين البلدين، وتحوّل إلى حرب شاملة عام 1962، اعتبرها نهرو “طعنة غادرة” من جانب بكين التي كان يعتبرها حليفا، وأدت إلى تحول سلبي في العلاقات بين البلدين وتركت جروحا عميقة، حتى قيل إن صدمتها السياسية ساهمت في تدهور صحة نهرو ووفاته نتيجة للكمد والخيانة غير المتوقعة من جانب الصين.
بعد ذلك، لعبت التوترات بين الصين الشيوعية والاتحاد السوفياتي دورا إضافيا في تعميق الهوة بين الصين والهند، إذ دفعت الهند أكثر فأكثر نحو موسكو، بينما وجدت بكين نفسها أقرب إلى باكستان، حتى تحالفت معها في حروبها ضد نيودلهي.
وعلى مر العقود، ظل ملف Tibet حاضرا كعامل خلاف مزمن، خاصة بعد أن استضافت الهند الزعيم التبتي الدالاي لاما وحلفاءه، في حين واصلت بكين فرض سيطرتها على الهيمالايا وتطوير مشاريعها هناك.
جواهر لال نهرو (يمين) يتحدث مع ماو تسي تونغ (غيتي)
ومع انفتاح الصين على التصنيع والتجارة العالمية لاحقا، حاولت تحسين العلاقات مع الهند، نظرا لكونها أكبر دولة من حيث عدد السكان وسوقا استهلاكية ضخمة، وعملت بجدية لضم الهند إلى “مبادرة الحزام والطريق” الصينية بعدما انخرطت الدول المجاورة للهند في المبادرة، ولكنها اصطدمت برفض هندي متكرر لمبادرة الحزام والطريق التي رأت فيها مشروعا توسعيا.
وعملت نيودلهي على مواجهة المبادرة الصينية بتحسين علاقتها مع أفغانستان وإطلاق مشروع “شمال جنوب” والذي يعتمد على ميناء تشابهار الإيراني كقاعدة له للوصول إلى وسط آسيا وروسيا، وبادرت بالانخراط في مشاريع اعتُبرت مضادة للصين كتجمع “كواد”، الذي يضم إلى جوار الهند كلا من الولايات المتحدة الأميركية واليابان وأستراليا.
في المقابل، حرصت الصين على محاولة فصل الاقتصاد عن مسار العلاقات العسكرية وخصوصا الخلافات الحدودية، وهو ما جنّب البلدين مواجهات عسكرية واسعة النطاق، وأوجد علاقة -وإن وُصفت بغير المستقرة فإنها لم تتطور إلى قطيعة كاملة- وقد وفرت منصات مثل منظمة شنغهاي للتعاون مجالات للحوار والتعاون في قضايا أمنية واقتصادية.
الهند بادرت بالانخراط في مشاريع اعتُبرت مضادة للصين كتجمع “كواد” (الفرنسية)
ما الذي حدث في تيانجين؟
تُعتبر اللقاءات الأخيرة بين مودي وشي في سياق لقاءات منظمة شنغهاي للتعاون، علامة على التحسن وسط التوترات الحالية بين الهند والولايات المتحدة الأميركية بسبب سياسات الجمارك والضرائب، بعد تغيب الرئيس الصيني عن قمة مجموعة العشرين التي تم عقدها في نيودلهي عام 2023.
علما بأنه لم يسبق له أن غاب عن قمة مجموعة العشرين منذ أن تولى الحكم، وهو ما تمت قراءته حينها كتدهور للعلاقات بين البلدين.
لم يكن اللقاء الثنائي في تيانجين مجرد تبادل للمجاملات الدبلوماسية، بل حمل إشارات عملية على رغبة الطرفين في فتح صفحة جديدة، فقد أُعلن عن استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين بعد توقف استمر سنوات منذ أزمة الحدود وجائحة كورونا، وهو قرار اعتُبر خطوة رمزية لعودة الانفتاح الشعبي والاقتصادي.
إعلان