قبل يومين، حضرت ندوة حول الخلفية القانونية وتبعات قرار الرئيس محمود عباس بحل المجلس التشريعي الفلسطيني. خلص خبيرين فلسطينيين بارزين – الدكتور أحمد الخالدي والدكتور أنيس القاسم – إلى أن قرار عباس يستند إلى أسس قانونية. وقال الخالدي، الذي يُعد الأب الروحي للدستور الفلسطيني، إنه لا يمكن تغيير الواقع الذي خلقه عباس بالوسائل القانونية، بل إن الطريقة الوحيدة لمواجهة سخط الشارع من تجاوزات السلطة الفلسطينية هي الوسائل السياسية، وهو ما أكده القاسم أيضًا. أما محمد نجيب الرشدان – المحامي الأردني البارز المشارك في الندوة – فقال إن هذا التصرف يعكس سلوك الأنظمة العربية المعتاد، التي تتعامل مع القانون والدستور بانتقائية، وتفسره بما يخدم مصالحها.
في الخارج، كانت الثلوج تتساقط لأول مرة هذا العام في إسطنبول. اختلطت مشاعري تجاهها. ففي المكان الذي نشأت فيه، لم تكن الثلوج تزورنا كثيرًا، فكنا نحتفل بمجيئها بفرح. لكن، ومنذ بدء المأساة السورية في عام 2011، أصبحت الثلوج تجلب الموت للاجئين العالقين في جبال لبنان أو قرب الحدود التركية. فقد غمرت آلاف الخيام الطينية عندما ذابت الثلوج، لتتحول إلى نهر غاضب من الطين اجتاح ما تبقى من سوريا. صديقي حسام الغالي، المسؤول عن تحالف منظمات غير حكومية لبنانية تُعنى بشؤون اللاجئين السوريين، أرسل لي أخبارًا مفزعة عن حال مئات العائلات التي ضربتها العاصفة “نورما” هذا الأسبوع.
حين سألني تلفزيون “إندَس” الباكستاني عن تقييمي للعام الماضي وتوقعاتي للعام الحالي، لامس السؤال وترًا حساسًا في داخلي. قلت إنني متفائل بأن يحمل هذا العام الحرية والعدالة للشعب الفلسطيني، رغم أن العام المنصرم كان مليئًا بالعنف والكآبة. لكنه ليس عنفًا يمكن فهمه أو التعايش معه، بل عنف يتركك مشوشًا ومذهولًا. فقتل المعارضين ليس أمرًا غريبًا في منطقتنا، لكن أن يُقتل جمال خاشقجي داخل مبنى دبلوماسي، ويُقطَّع جسده ويُذاب في الحمض، ثم تُلقى بقاياه في المجاري – فهذا شيء يفوق الخيال.
قبل يومين فقط، أثار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضجة كبيرة من خلال مقابلته مع برنامج “60 دقيقة” على قناة CBS الأمريكية، حيث اعترف بتعاونه مع إسرائيل في استهداف مواطنين مصريين في شبه جزيرة سيناء شرق البلاد. لم ينفِ السيسي مسؤوليته عن مجزرة رابعة عام 2013، التي راح ضحيتها أكثر من ألف متظاهر ضد انقلابه العسكري. كما أنكر تقارير العديد من منظمات حقوق الإنسان – بما فيها “هيومن رايتس ووتش” – التي تؤكد أن مصر تحتجز أكثر من 60 ألف معتقل سياسي في سجونها. خلال المقابلة، بدا السيسي متوترًا ومتعرقًا، مما دفع نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي لتشبيهه بطالب في قاعة امتحان. الأسوأ من ذلك، أن السلطات المصرية طلبت من القناة عدم بث المقابلة، وهو الطلب الذي استغلته CBS للترويج للمقابلة وجذب المزيد من المشاهدين، مما فتح باب الجدل حول شرعية السيسي حتى قبل عرض المقابلة.
وفيما تسير دول الخليج نحو إسرائيل، فإنها في الوقت ذاته تقرع طبول الحرب ضد إيران، وتفرض حصارًا على قطر – وهي عضو في مجلس التعاون الخليجي – ليبقى السؤال مطروحًا: ما معنى التعاون إذًا؟ السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عُمان – والذي نادرًا ما يظهر في الإعلام – شوهد العام الماضي وهو يصطحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في جولة داخل قصره. وفي الوقت ذاته، يدّعي مسؤولوه أن عُمان تفعل ذلك لمصلحة الشعب الفلسطيني!
الحادث الوحيد الذي كان من الممكن أن يُدخل شيئًا من الفرح إلى قلوبنا هو الإعلان عن انتهاء الحرب في اليمن. فقد عقد الحوثيون المدعومون من إيران والحكومة اليمنية المدعومة من السعودية محادثات سلام واتفقوا على تهدئة الوضع، لكن لم يحدث شيء على الأرض. وبعد شهر من المماطلة، هاجمت طائرات بدون طيار تابعة للحوثيين عرضًا عسكريًا في محافظة لحج جنوب اليمن يوم الخميس، ما أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص.
وفي السودان، تجد البلاد نفسها عالقة بين متظاهرين يطالبون بإسقاط الحكومة بسبب الفساد وسوء الإدارة، ومؤيدين للنظام يدّعون أن تدهور المعيشة سببه مؤامرات خارجية. كما يتهم هؤلاء المحتجين بأنهم عملاء أجانب يريدون دفع السودان إلى الفوضى واليأس.
أما في سوريا، وبعد نحو ثمانية أعوام من الحرب الأهلية، ونصف مليون قتيل، وتشريد نصف السكان، فقد اعترف المجتمع الدولي بالرئيس السوري بشار الأسد كحاكم شرعي وجدد له الشرعية. أما تركيا، فهي تستعد للتدخل عسكريًا ضد الجماعات الكردية في شمال سوريا، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من هناك. فجأة، اتهم مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون تركيا بالتخطيط لارتكاب مجازر ضد الأكراد، بينما أعلن ترامب مرة أخرى أن سحب القوات سيأخذ وقتًا أطول مما كان متوقعًا.
حتى في إسرائيل، قام رئيس الوزراء بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات في خضم اتهامات بالفساد، ويكافح بشدة للبقاء في المشهد السياسي. الطين يذكرني بقصة قصيرة لأنطون تشيخوف، عن خادمة شابة تعمل بجد ولا تنال قسطًا كافيًا من النوم. وبينما كانت تغفو، منعتها صرخات من الاستمتاع بحلمها الذي كانت فيه تغوص في طينٍ سائل. في النهاية، تكتشف أن مصدر الصراخ هو الطفل الذي كُلّفت بالعناية به. فتقتله وتغط في نومٍ عميق. المصدر: Middle East Monitor